سوق (الكومة): جرائم الحرب تتصاعد في دارفور وسط تجاهل دولي
علي أحمد
في “الكومة” بشمال إقليم دارفور، يتجمع سكان البلدة والقرى المحيطة كل يوم جمعة لتنظيم سوق لتبادل السلع والبضائع وبعض المنافع البسيطة جداً. رجال ونساء وأطفال يبيعون ويشترون. ظل هذا دأبهم وديدنهم لسنوات طويلة، ولكن منذ أن أشعلت قيادة جيش الكيزان حرب الخامس عشر من أبريل 2023، تغيّرت الأمور كثيراً، حيث أصبحت هذه السوق المحلية مستهدفة من قبل طيران البرهان و”الطيران المجهول” – كما تعوّد السودانيون على وصف سلاح الجو المصري به لسبب لا أعرفه! -، الذي قصفها قرابة 30 مرة. ومع ذلك، بلغت الغارات الجوية على سوق البلدة ذروتها يوم الجمعة 4 أكتوبر الجاري، حين ارتكب الطيران مجزرة غير مسبوقة أدت إلى مقتل 90 شخصاً على الفور، بينهم نساء وأطفال ومسنون، فيما أصيب أكثر من 300 بجروح متفاوتة، بعضها قاتلة، في منطقة تفتقر إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية والإسعافات الأولية.
منذ بداية الحرب، ظل هذا الطيران يرتكب مثل هذه الجرائم النكراء والبشعة بحق المدنيين العزّل. ومع تصاعد الخطاب العنصري والجهوي المُنتج في الغرف الإعلامية التابعة للأمن الشعبي وميليشيات الإسلامويين الأخرى التي صاغت مصطلح “الحواضن الاجتماعية” للدعم السريع، ويقصدون بها سكان دارفور، وضعت قيادة ميليشيا الكيزان (الجيش) شعوباً بأكملها هدفاً للطيران، فشرعت في قتل المواطنين بدم بارد في نيالا والفاشر والضعين وغيرها من المدن والبلدات والقرى، حتى ارتكبت هذه المذبحة المروعة التي هزّت الضمير الإنساني يوم الجمعة 4 أكتوبر في بلدة “الكومة”.
إن مشهد الجثامين المتفحمة كان مؤلماً وفظيعاً، حيث تحولت أجساد النساء والأطفال والمسنين إلى أكوام من الشواء البشري المحترق، في سلوك همجي وبربري ومتوحش لقادة الجيش المختطف. ووصف بيان صادر عن القوى المدنية لإقليم دارفور ما حدث بأنه مجزرة مع سبق الإصرار والترصد. وأضاف أن الطيران العسكري للبرهان أقدم على ارتكاب واحدة من أبشع جرائم الحرب، حيث أمطر سوق الكومة بوابل من الصواريخ والبراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دولياً.
وانتقد البيان صمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة، معتبراً أن ذلك يشجع الإرهابيين من الدواعش وغيرهم من منسوبي الميليشيات الإرهابية التي تقاتل بجانب قيادة الجيش الإخوانية، على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب وقتل المدنيين. وجددت القوى المدنية دعوتها ومناشدتها للأسرة الدولية بحظر الطيران العسكري الذي لا يفعل شيئاً سوى قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية.
وأدان بيان صادر عن الناطق الرسمي لقوات الدعم السريع ما وصفه بالجرائم والأفعال غير الإنسانية المتكررة بحق المدنيين الأبرياء. ودعا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والمهتمين بالشأن الإنساني إلى إدانة السلوك البربري لقادة الجيش المختطف وتعمدهم مواصلة قصف الأحياء المأهولة بالسكان منذ إشعالهم الحرب في 15 أبريل 2023.
وأكد البيان أن استمرار الجرائم بحق المواطنين العزّل وانتهاك حقوقهم، هو ما يجعل الدعم السريع يتمسك بالخيار الأوحد المتمثل في المضي قدماً حتى تخليص الشعب من هيمنة الحركة الإسلامية الإرهابية التي تتحكم في قرار الجيش، وأن السودان لن يكون له مستقبل واعد إلا بتأسيس جيش قومي مهني جديد على عقيدة وطنية راسخة وأسس جديدة وعادلة ترفع المظالم عن جميع الشعوب السودانية.
ما لم تقله بيانات الإدانة والتنديد تلك، هو أن هناك استهدافاً ممنهجاً من طيران الجيش بحق المدنيين، وسكان دارفور على وجه الخصوص، بطريقة باتت مكشوفة للجميع، وأصبح الحديث عن هذه الأمور شائعاً بين الناشطين في الدعاية الحربية والعسكرية الكيزانية وحملات التحريض التي يقومون بها على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الدعاية تقوم في الأساس على العنصرية والجهوية والقبلية الفجّة، وهي الدعاية نفسها التي روجت لمصطلح “الحواضن الاجتماعية” للدعم السريع وظلت تطالب الجيش بضرب جماعات قبلية بعينها، تعتقد أن هذا المصطلح العنصري ينطبق عليها. وها هو الجيش يلبي تلك الرغبات ويحصد أرواح آلاف الأبرياء وفقاً لهذا التوصيف. إنه جيش مجرم وإرهابي، وسيظل كذلك ما ظلت قيادته مختطفة من قبل الإخوانجية الإرهابيين ومن تبعهم من الدواعش السروريين والتكفيريين وغيرهم ممن يطلقون على أنفسهم “التيار الإسلامي العريض”، بينما هو في الواقع التيار الإرهابي والإجرامي العريض.