هل فات الأوان؟؟
مطالبة الجبهة الثورية عبر بيانها الممهور بتوقيع الثنائي مني أركو مناوي ومالك عقار رئيس الوزراء بإيقاف تعيين وزراء الحكومة الانتقالية واعتبار ما جرى من ترشيحات يمثل إقصاء لجزء من مكونات قوى الحرية والتغيير صحيح كواقع، ولكنه غير معقول كمنطق سياسي، بعد أن أضاعت الجبهة الثورية وقتاً ثميناً في التردد والترقب والانتظار، وبعد أن أصبحت الحياة لا تطاق في السودان بسبب تعثر تشكيل الحكومة الانتقالية منذ الحادي عشر من أبريل الماضي وحتى اليوم .
ومن المعلوم بالضرورة فصول تراجيديا الصراع بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير التي سالت من تحتها دماء، ولكنها انتهت بالدموع والابتسامات أمام أجهزة الإعلام لتبدأ فصول الصراع بين مكونات قوى الحرية والتغيير والتي أفضت لإبعاد الجبهة الثورية من المجلس السيادي ومجلس الوزراء وتشكيل الحكومة الانتقالية من غيرهم، وهي خطوة فرضتها ضرورات الواقع، ووجد رئيس الوزراء نفسه أمام طريق وحيد عليه عبوره وتقاسم الوزارات بين مكونات قوى الحرية والتغيير الموجودة، ومن ثم البحث عن طرق جديدة لمخاطبة انشغالات بقية مكونات قوى الحرية والتغيير ممثلة في الحركات الثلاث مناوي وعقار وجبريل، وبعد ذلك البحث عن مسار ثالث لإشراك أكبر حركتين مسلحتين الحركة الشعبية بقيادة الحلو والحركة التحريرية بقيادة عبد الواحد محمد نور.
الجبهة الثورية الآن ليس لها إلا خياران لا ثالث لهما إما انتظار تشكيل الحكومة اليوم والعودة للداخل وانتظار الانتخابات القادمة وتشتري المستقبل بدلاً من الحاضر مثلما فعل حزب المؤتمر السوداني الذي رفض الدخول في الحكومة بعناصره ومساندة بعض مشجعيه والمتعاطفين معه، والحركات الثلاث إذا صبرت على الفترة الانتقالية وأسست وجوداً وسط القواعد الشعبية وتخلصت من أعباء البندقية بإدماج مكونها العسكري في الجيش الحالي والتخلص من فاتورة العسكر وبناء نفسها كحركات سياسية، والبحث عن تمويل خارجي وداخلي لعملية الانتقال والتحول، فإنها بذلك تضع الرهان المدني كخيار بديل للبندقية، وتبحث مع رئيس الوزراء سبل حل أسباب النزاع واحتجاجات الأطراف .
أما الخيار الثاني، وهو خيار مرفوض، ولن تجد الحركات من يسنده إقليمياً ودولياً وداخلياً ألا وهو خيار الرهان مرة أخرى على البندقية واستغلال ظروف الانتقال الحالية ومحاولة الضغط على الحكومة بإثارة الغبار في بعض المناطق بدارفور وجبال النوبة مثلاً وهذا الخيار جربته الثورية من قبل ولم تحصد منه إلا الفشل والخيبة والانكسار.
الجبهة الثورية تريد محاصصة وقسمة المقاعد التنفيذية في وضح النهار، وهذا سلوك انتهجته الحكومة السابقة ولم يحقق السلام منحت قادة الحركات الوزارات وتنازلت لهم عن الوزارة والولاية وحاولت شراء السلام بالمناصب، ولكنها حصدت جهازاً تنفيذياً متضخماً وأوضاعاً هشة في الأطراف، ولكن قوى الحرية والتغيير أصبحت داعية الحرية الأمريكي وليم جيفرسون إبان الثورة الأمريكية كان جيفرسون قد قال إن الحرية حق طبيعي، وكان صادقاً مع نفسه عندما سعى لتأطير ذلك المبدأ دستورياً، إلا أن جيفرسون كان في ذات الوقت سيداً لأكثر من ثلاثين عبداً رقيقاً، كما كانت له إماء أنجب من واحدة منهن ابنته سالي، وهو من دعا لتحريم الزواج بين الأعراق المختلفة، ولم يدر بخلد جيفرسون أن هناك تناقضاً بين الموقفين، لأن الحريات التي يتحدث عنها تخص البشر، وأرقاؤه ليسوا بشراً في ظل الفكر السائد حينذاك.
فقوى الحرية والتغيير التي قسمت فيما بينها مقاعد المجلس السيادي الخمسة، وأكرمت حزب البعث بمقعد والسيد الصادق المهدي وحزب الأمة بمقعدين والحزب الشيوعي بمقعد والمنشقين من الحزب الاتحادي الديمقراطي بمقعد كان يمكنها أن تنظر إلى قضايا البلاد بعين المسؤولية وبمنطق فقه الضرورة والأمر الواقع التنازل عن مقعدين على الأقل للجبهة الثورية في المجلس السيادي حتى تشعر بالرضاء وبعدها يمكنها أي الجبهة الثورية التفاهم مع “قحت” حول الجهاز التنفيذي.
ولكن أن تتقاسم قوى الحرية والتغيير المقاعد، وتنال المغانم وتعتبر مطالبة الجبهة الثورية بنصيبها في التركة أمراً منكراً وشيئاً منكراً لهو موقف لا يقل تناقضاً عن مواقف داعية الحرية الأمريكي وليم جيفرسون.
اليوم يكشف حمدوك عن ملامح حكومته، وغداً تؤدي القسم وليس أمام الجبهة الثورية سوى انتظار الانتخابات ربما أصبحت القندول الذي سيشنقل الريكة في الانتخابات، حيث سقف التحالفات مفتوح وكل شيء قابل للتغيير وربما وجدت الجبهة الثورية نفسها والنظام السابق في مركب واحد، وربما أيقنت قوى الحرية والتغيير بعد انقشاع غشاوة السكرة بأن الجبهة الثورية حليف لابد منه !!