بدون زعل
في مسألة “صيف العبور” الجديد:
أكانَ ضروريّاً كلُّ هذا القتل؟
عبد الحفيظ مريود
تزامناً مع خطابه أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، الخميس 26 سبتمبر 2024م، نفّذ الجيش وكتائب الإسلاميين، هجوماً واسعاً من عِدّة محاور، لـ”تحرير” الخرطوم. واضحٌ أنَّه سيعزّز من اللجهة المتحدّية التي سيخاطبُ بها القائد العام للجيش السودانىّ، عبد الفتّاح البرهان ويعيدُ التوازن للمشهد العسكرىّ الماثل. سيقتضي الوضع – حال نجحتِ العملية العسكريّة – إعادةُ نظر الغربيين والإقليميْن العربىّ والإفريقىّ للأوضاع في السّودان. التي ربّما غيّرتْ من العداء الصّريح الأبلج الذي تتمتّعُ به حكومة الأمر الواقع في بورتسودان. وربّما أعادتْ به الاعتبار للمؤتمر الوطني والتيّار الإسلامي العريض في السّاحة السياسيّة، لا سيّما وأنَّ المؤتمر الوطني أصدر بياناً، متزامناً، أيضاً، يشيرُ فيه إلى “العمليّة السياسيّة” التي ستعقب الحرب.
شايف كيف؟
تحملُ الحسابات الشخصيّة والمدعومة لمناصرىّ الجيش على السوشيال ميديا مؤشريْن. الأوّل أنّه جرى رسم خارطة للحملة الإعلاميّة التي سترافق مسألة “العبور” هذه. وهو أمرٌ لطالما كان مفهوماً ومألوفاً فى (المدرسة الإعلاميّة) الكيزانيّة. المؤشّر الآخر هو العجلة في تنفيذ الخطّة الاعلاميّة، الضّخ الكذوب للأخبار والفيديوهات والصّور، حتّى لا يملكُ المتلقّي “المستهدف” وقتاً للتمييز، للتحليل والمقارنة. وحتّى تصير “الكذبات” حقائق، في نظره.
لكنَّ علامةً أساسيّة – لا يلقى لها المخطّطون بالا – تقلب كلّ الضّخ الأوّل، رأساً على عقب. وهي كثرة النّعىّ والاحتسابات لـ “الشهداء” الذين خرّوا صرعى، في أعقاب كلّ عمليّة ناجحة، مؤثّرة، موجعة في أعماق “العدو”، الدّعم السّريع.
شايف كيف؟
وعلى صعيد حصائد الفعليْن، فقد واجه قائد الجيش السّودانىّ قاعة خالية من الرؤساء. لم يحرص على سماعه داخل القاعة رئيس أو ملكٌ أو أمير. وهي إشارة دبلوماسيّة واضحة. فليس ثمّة ما يحملُ رئيساً محترماً، ملكاً أو أميراً على الجلوس لسماع قائدٍ أفقد السُّودان عضويته الفاعلة حتّى في الاتّحاد الإفريقىّ. بالتّالىّ فإنَّ جميع مقالته في القاعة لا يُعوّلُ عليها. نظراً إلى انّه وقف في ذات القاعة، قبل عام، بعده ظلَّ يرفضُ كل محاولات الإقليم والعالم لوقف الحرب، سواء أكان ذلك منبر جدّة، المنامة، الإيغاد، جنيف. إلى جانب أنّه – بين الوقفتين أمام الجمعية العامّة – خسر رقعة جغرافيّة مقدّرة من الأرض التي كان يسيطرُ عليها. فعلى أىّ جديد يعوّل العالم على خطابه؟.
على صعيدٍ متّصل، كما يحبُّ أهلُ الأخبار، فقد واجهتْ قواته (صعوبات) في عمليّة العبور إلى الخرطوم. و “صعوبات” هي الكلمة المخفّفة لما واجهته تلك القوات المسكينة، المغرَّر بها. فالواقع انَّ النّعىّ والاحتسابات على صفحات الداعمين للحرب، وقوفاً مع الجيش، تمثّل العلامة الأبرز على (خسران العبور). الخبراء العسكريون يقولون إنَّ ثمّة مشورة مصريّة هي التي أقعتِ الشّباب في مسرح القتل. وهي اتّخاذ خطّة كثافة النيران والقوى البشريّة مع دخول أسلحة مساعدة، الطيران والمدفعيّة، لتسند التقدّم. لذلك كان هناك الكثير من (اللنشات) التي نقلت قواتٍ إلى الشواطئ، فضلاً عن المشاة الذين زحفوا على الكباري في عمليّة العبور.
لكنَّ أحداً لم يقف أمام قاعة الصّداقة أو فندق الهيلتون، مثلاً، لينشر تسجيلاً مصوّراً، أو لقطات ثابتة. لرّبما لغياب الشّبكة عن منطقة الخرطوم، أو لعجز من فعل ذلك عن الرّجوع إلى أمدرمان ليبثّ مقاطعه. لكنّ هناك فيديوهات لعناصر من الجيش والعمل الخاص فى مناطق تقول إنّها فى “معمل ستاك”، وأخرى في ميدان التّحرير ببحري، وهكذا.
الموالون للجيش – حتّى قبل انتصاف نهار العبور – كانوا قد نشطوا على الميديا. بعضهم نشر (بنك السّودان، برج زين، برج السّاحل والصحراء، قاعة الصّداقة، العمارة الكويتيّة في قبضة قوّاتكم المسلّحة)..(كاكي أخضر)..في ذات الوقت كانت (قوّاتكم المسلّحة) تكابد لتعودَ أدراجها من حيث أتتْ، قبل أنْ تلتقط أنفاسها.
شايف كيف؟
لقد كان “عبوراً” تأريخيّاً، بلا شكّ. حقّق جملة من الأهداف، أهمّها أنَّ العالم ارتجف، وسارع – عقب سماعه لخطاب البرهان – إلى تصنيف قوّات الدّعم السّريع (مليشيا إرهابيّة)، ومنحه الضوء الأخضر للقضاء عليها.
وأنتَ تتصفّحُ الميديا، لا تنسَ أنْ تعلّق على جميع منشورات “الجماعة” بجملة (نصر من الله وفتح قريب).. أو (دا ما جيش بتدّاوس)..