كان الناس في سيرة العرس يغنون افتخاراً بعريسهم:(لا شرّاب سيجار لا لعّاب قمار).. لا زلت أذكر تلك الأهزوجة وطعم لحنها ما زال في دمي.. وكنا بعد زاراري في خضم الانتظار.. نشتهي أن يأتي يوم ونتشبه بتلك الخصال .. فيتغنون لنا ونبشر.. كان ذلك في أمتنا منذ الأزل وقبل الإنقاذ والشريعة وقانون النظام العام، قيم تحض عليها الغنايات لتلهم الأجيال جيلاً بعد جيل، فتحفظها البيوت والأسراً كابر عن كابر وصغيراً عن كبير.. بعيداً عن أي مزايدات رخيصة أو تنطّع بغيض
حتى إن محمد إبراهيم كان سكرتيراً للحزب الشيوعي السوداني وإمام الأوقات للصلاة وفقيههم في السجن!! فما الداعي لأن نبدأ حساب سقوط النظام السابق من عداد عاداتنا والتقاليد وشرائع الإسلام وعباداته لننقضها عروة عروة.. ولمصلحة من يرهنون سقوط النظام بانحسار تلك القيم واضمحلال تلك الثقافة التي قام عليها مجتمعنا وزانه علي ذلك النسق والتدابير.
تتدبر المجتمعات من حولنا أمورها وتقود خطاها وفقًا لقيمها الموروثة، تتعرى أو تتحجب، تسدل أو تقبض، تمشط أو تجعلها مساير .. لكنها دوماً على تنوع وأصالة وحوار داخلي لا ينفك عن الالتئام والمغايرة.. لكن الاستلاف بالجملة من خارجها أمر مرفوض وإن جاء على طبق من ذهب.. فللشعوب كرامتها غير القابلة للتداول وأصالتها ذات المناخ والمزاج الذي لا يقايض.
يقيض الله لأمر هذه الشعوب من يدفع عنها حيف الاستلاب والتراجعات المذلة عن نواتها وأصل انتمائها.
كتبها عثمان ميرغني هكذا
.(لم تسقط بعد!!
قبل قليل، طلبوا مني مداخلة في إذاعة أمدرمان في برنامج بمناسبة الذكرى 50 لرحيل الزعيم الأزهري، فقال لي المذيع (لقد كان زعيماً متفرداً يقوم الليل ويحافظ على وضوئه طوال اليوم)..!)
أخذت أقلب بوست ميرغني المنشور في موقعه على الفيس بوك وشمال يمين حتى أجد للرجل مندوحة تقيه ما انفتح عليه من جحيم التعليقات والردود بما شبه البركان..
نتفهم أن عثمان لم يعد ملتزماً تنظيمياً بالحركة الإسلامية، وأنها لم تكن إلا محطة صغيرة في حياته، وأن تحوله عنها وتوليه قبل الزحف حقيقة لا ينتطح فيها عنزان.. ولكن السوال المقيم إلى أين مضت خطواته، ولماذا توجسه تلك القيم والمعاني الدينية التي شرعت قبل أن يأتي حسن البنا والترابي.. لماذا يجازف ليمتحن صبر البعض وهو يجتاز تلك المسافة الحساسة دون داعٍ وبلا كياسة..
دخلت وصديق إلى (Caffe).. كانت المقاعد معبأة باليفع من الجنسين.. ولإطفاء غرابة دخولنا جلسنا إلى أقرب المناضد.. لكن المكان كان مشتعلاً.. وكنا غريبين جداً.. على نحو جماعي أخذ البنات في التدخين.. وكأنما يحاولن طردنا…لم أستطع أن أنقل عيني إلى حيث لا (مدخنة).. كنت متعجباً وقلقاً.. حتى إنني أكثرت التلفت..
فعيل صبر إحداهن لتحدق في (نور طويل) ثم تقول بصوت جهير:
-(في حاجة يا أستاذ؟!).
(نعم… التدخين يضايقني)
.(افتكر دي حرية شخصية)
-(أنتِ حرة في التدخين ولكن ليس في الاماكن العامة.. القانون السوداني يمنع ذلك).
ساد المكان حالة من الصمت والاغتياظ وإطفاء بعض السجاير، حتى
قطعه أحد الشاب وكان مبتسماً
(معليش يا خال.. امسحها لينا في وشنا)..
المهم طلبنا اتنين (كبتشينو).. وأخذنا نتباحث حول أمر وصولنا لمرحلة الخال.