على مراكب الغباء الكثيرة الثّقوب: دولة 56 والحمولات القاتلة
بدون زعل
عبد الحفيظ مريود
على مراكب الغباء الكثيرة الثّقوب:
دولة 56 والحمولات القاتلة
يعلّق صدّيق محمد عثمان، إسلامىٌّ شعبىٌّ يعمل في سفارة في لندن، بأنَّ الكباري (شمبات والحلفايا)، ومصفاة الجيلي، تتبع لدولة 56. وبالتّالي فإنَّ تدميرها أو الإبقاء عليها، بواسطة الجيش (شأنٌ يخصّنا)، لا علاقة “للمليشيا” – الدّعم السّريع – بها. وبالتّالي كل الذين يطالبون بتفكيك دولة 56.
يذهب مزمّل أبو القاسم، صحافىٌ معروف، ومنسوب لصلاح قوش، أكثر من ذلك. إذْ يستهجن ارتداء “واحد مليشى” لفانيلة على شعار فريق الهلال. وفيما يؤكّد أنَّ الفريقيْن – الهلال والمريخ – وُجدا قبل قيام دولة 56، إلّا أنّه يصرُ على ارتباطهما بها. وارتداء المليشي لشعار الهلال، فيه إساءة لـ “هلال الملايين”، الذي يُفترَض أنّه “حكر” على منسوبي دولة 56، والتي يحاربُها الدّعم السريع.
شايف كيف؟
يلاحظ صديقنا الرّوائي محفوظ بُشرى، أنَّ الثيمة الماثلة في مقارعة حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، هي (سرقوا عرباتنا، نهبوا بيوتنا، شالوا دهبنا…الخ). وهو الماركسىُّ القُحّ، يُفسّر ذلك بأنّه انشغالات و”حسرات” الطبقة الوسطى على ضياع وفقدان امتيازاتها. لا ينشغل أحدٌ بأنَّ التّدمير المنهجىَّ الذي يقوم به الجيش، المفروض فيه الحماية والمحافظة، للبُنى التحتيّة. لكأنَّما مصفاة الجيلي، كبري شمبات، كبري الحلفايا، كبرى وادي كجا في الجنينة، كبرى نيالا على وادي “بِرْلِى”، لا اعتبار لها، في مقابل (عربيتي، دهب مرتي، عفش بيتنا). وذلك في مسعىً بليغ يؤكّدُ به بأنَّ السّودانيين لم يفهموا الحرب، بعدُ.
يجهل صّدّيق محمّد عثمان، أو يتغابى – وأنا أرجّح الأخيرة – عن أنَّ راعى الغنم في “أم شديدة”، راعي الإبل في “أضاة أم عيدان”، المزارع في “أروَلا” أو “بِنْدِسِى” يملك ذات الحقوق في مصفاة الجيلي والكباري والمتحف القومىّ، على قدم المساواة مع النّفيديّة، أسامة داوود، نافع على نافع، البرهان، ياسر العطا، وجدي صالح، ونانسي عجاج. أكثر من ذلك: يملك جلحة، قرن شطّة، البيشىّ، وأصغر دعامىّ ذات الحقوق. فمن قال إنَّ البُنَى التّحتيّة هي ملك لفئة محدّدة، يمكنها أنْ تزعم أنّها هي “دولة 56″، وبالتّالي فإنَّ من حقّها أنْ تدمّرها متى شاءت؟ ومن هي دولة 56، هذه؟
شايف كيف؟
أنْ تأخذ الحكومة أىّ من حكومات السّودان المتعاقبة – قرضاً لتبني جسراً، مصنعاً، سدّاً – بما في ذلك سّد مروىّ – لا يعنى أنّها ستسدّدُ ذلك القرض من عائدات نخيل الشّماليّة، ليصبحَ الصّرح ملكاً لها. سيتمُّ تسديد ذلك من ميزانيات حكومة السّودان، بالطّبع، والتي تقومُ على الضّرائب، الجمارك، عائدات النّفط…الخ. على عكس سيارتك الحكوميّة، أو تلك التي حصلتْ عليها من “امتيازات أخرى”.
لم يلاحظ أحدٌ – وهو طبيعىّ – أنَّ الدّعم السّريع، طوال هذه الحرب، لم يدمّر صرحاً واحداً. في الوقت الذي يسيطرُ فيه على مظم الخرطوم، مثلاً. لكنَّ الجيش يقوم بتدمير استثنائىّ، في كل وقتٍ تعجزُه في قدراته – وهي أوقاتٌ كثيرة – عن استعادة ما فقده.
شايف كيف؟
ستكونُ مشغولاً بسّيارتك التي نُهِبتْ، أثاث بيتك، ممتلكاتك. تحرّكك رغباتٌ جامحةٌ في الانتقام والتفشّي. تنتظرُ الجيش ليشفىَ غليلك، ويبرد حشاك. لكنّه مشغول بتدمير ممتلكات هي أكثر قيمة من التي فقدت. لتحصلَ – في نهاية الأمر – على الفقد الأكبر: لا هو استعاد لك ممتلكاتك، لا أبقى ما هو ملك للأجيال القادمة. ذلك أنّه ليس في مقدور أحد أنْ يمسح الدّعم السّريع و”حواضنه” من الوجود. لأنّ وجودهما عميقٌ بقدرك، فلا تغرّنكَ التواريخُ القريبة. يجب أنْ تحفرَ أعمق. ما الذي يجعلُ حقول النّفط في ولايتي غرب كردفان وشرق دارفور (المسيريّة والمعاليا والرّزيقات) ملكاً لدّولة 56 – حسب تعريف السّيدين صدّيق ومزمّل أبو القاسم، إضافةً إلى كبري الجنينة وكبري نيالا، فيما لا يحقُّ للدّعامىّ أنْ يرتدىَ شعار الهلال؟ وما الذي يجعلها (ضمن نطاق الثروات القوميّة) لسكّان نهر النّيل، الشماليّة، البحر الأحمر، النّيل الأبيض، ولا يعطى البقّارىّ أو الأبّالىّ حقوقاً في مصفاة الجيلي، كبرى شمبات، ميناء بورتسودان وخزّان مروىّ وسنّار؟ وشعار الهلال والمريخ؟
شايف كيف؟
الحربُ قديمةٌ تتلوّن.
وستستمرُّ ما لم تُعِدْ فحص أجهزة إنتاج المعرفة لديك..
لا يخدعنّكَ “البلابسة”.