“قحت” جعلت الوثيقة (صنم عجوة) يتعبّدونها نهاراً ويأكلون منها ليلاً
أبرز عيوب (المجلس السيادي) أن ثورة شبابية أتت بكهول إليه
هؤلاء (الأغرار) غير الراشدين سياسياً لن يتحكّموا في مصير الدولة
وجود (حصانات) في الانتقالية عيب كبير يُصادر الحرية والمساواة
الشعب مُغيَّب والقوى السياسية لا تُدرك نصوص الوثيقة
نستطيع توفير المال للحملة الانتخابية من استثمارات الحزب
حوار: هويدا حمزة
تصوير: محمد نور محكر
عندما رفض الحزب الشيوعي الاتفاق السياسي بين العسكري، وخرج على إثره من التفاوض، أثار ذلك الرفض تململ الكثيرين الذين سئموا التماطل الذي يمارسه الطرفان، حيث كان الجميع يتطلع لاتفاق يفضي لتحقيق أهداف الثورة التي ليس من بينها المحاصصة.
حزب المؤتمر الشعبي ذهب إلى أبعد من الملل، حيث وصف القانوني والقيادي بالحزب أبو بكر عبد الرازق في حديث لهذه المنصة الشيوعي بأقذع الألفاظ ألطفها أن (مواقفه دائماً خارجة عن الوفاق والإجماع الوطني). اليوم يقف الشعبي من الوثيقة الدستورية التي وُقّعت بين العسكري و(قحت) ذات موقف الشيوعي من الاتفاق السياسي، حيث هدّد الأمين العام للشعبي دكتور علي الحاج بتمزيق الوثيقة الدستورية، الأمر الذي دفع القيادي بالحرية والتغيير محمد عصمت للتلويح بمقاضاة علي الحاج.
في هذه المساحة، نتساءل عن مبررات (الخروج على الإجماع الوطني) الذي يمارسه الشعبي الآن مع القيادي بالحزب أبوبكر عبد الرازق.
* الحرية والتغيير هي التي دلّست على الشعب أم العسكري هو الذي دلّس على الحرية والتغيير؟
– العسكري هو في النهاية لجنة أمنية، واللجنة الأمنية هي لعبة أمة كما قال مايسكوب لاند في كتابه (تأثير المخابرات في إدارة اللعبة العالمية)، الآن لعبة الأمة السودانية يقودها جهاز الأمن واللجنة الأمنية للبشير التي يرأسها البرهان، وبالتالي استطاعت أن ترغم (قحت) وترغمها على ما لا تحب وتشتهي وحتى العسكري حُمِل على ما لا يحب ويشتهي، لأنه يتحدث عن إجماع وطني، وأنه لن يعزل فصيلاً وطنياً، ولكن في واقع الأمر أن (قحت) أخفت الحقيقة على قواعدها لأنها تخشاها وحتى الآن الوثيقة الدستورية لم تُعلَن ولم تُنشَر في موقع الحرية والتغيير ولا موقع العسكري، الوثيقة التي نتحدث عنها الآن لقيط لا أب لها ولا أم، خرجت في مواقع التواصل الاجتماعي وليست هناك جهة من الجهتين تبنّت الوثيقة التي تم التوقيع عليها، اللباد يتحدث عن أن الحرية والتغيير ستنال في المجلس التشريعي 40% وقد وقعت على ذلك، وكل هذا الأمر غير معروف للشعب السوداني، لذلك أحد عيوب الوثيقة الدستورية انها سر إلهي لا يطلع عليه إلا كهنة، وهؤلاء الكهنة هم الحرية والتغيير والمجلس العسكري، أما الشعب فهو مُغيّب تماماً، وكذلك قواه السياسية لا تُدرك نصوص الوثيقة، ولا صياغتها ولا نصوصها. كذلك تحدثت الوثيقة عن حصانة إجرائية لأعضاء المجلس التشريعي، ومجلس الوزراء ومجلس السيادة، طبعًا ليست هناك حصانة موضوعية في الدنيا، وبالتالي تراكم هذه الحصانات في عهد البشير هو الذي قادنا للمحكمة الجنائية الدولية بعد أن غُلّت يد النيابة ويد القضاء الوطني، ولم يستطع الشاكون أن يشتكوا، ولم تستطع النيابات أن تحيل البلاغات للمحاكمة، ولم يستطع القضاء أن يُحاكم، وبالتالي اعتبر مجلس الأمن القضاء السوداني غير مؤهّل، وبالتالي أحال ملف السودان لأوكامبو بقرار من مجلس الأمن.
الآن وجود هذه الحصانات عيب كبير يُصادر الحرية والمساواة أمام القضاء، ويفتح المجال للإفساد، ونادر جداً أن ترفع الحصانات، وحتى في الحالات التي رُفعت في عهد البشير تم التحايُل عليها بتشكيل دوائر في المحكمة العليا .
*لكنهم ليسوا بحاجة لتلك الحصانات كما قالوا لأن الجيش أساساً لديه حصانة؟
– ليست هناك حصانة إجرائية مطلقاً، كل الجيوش في الدنيا ليست لديها حصانات إجرائية، وكذلك الأجهزة الأمنية، رئيس أمريكا ليست لديه حصانة، وعضو الكونغرس ليست لديه كذلك، لأن الاستقامة في السلوك هو المطلوب، كلينتون عندما زنا بمونيكا الكونغرس أراد أن يسحب منه الثقة لأنه كذب، الآن الحرية والتغيير تكذب على الشعب بأن هذه مجرد حصانة إجرائية كأنما هناك حصانات موضوعية، والحصانة الموضوعية تعني أن هذا الفعل مثلاً لا يُجرّم، والإجرائية تعني أن البلاغ لا يُفتَح إلا بعد رفع الحصانة.
*حسب معلوماتنا أن الوثيقة تحدثت عن أن المواطنة أساس الحقوق، وتقول ألا عزل بسبب اللون السياسي وأن المواطنين السودانيين متساوون؟
– نعم، ولكن المادة 32 في الوثيقة صادرت كل تلك الحقوق واعتبرت أن هناك فصائل من الشعب السوداني منزوعة منهم كل تلك الحقوق فعزلت فقط الأحزاب السياسية التي شاركت مع الإنقاذ حتى سقوطها، واستثنت كل أحزاب الحرية والتغيير التي شاركت لمدة ست سنوات بموجب اتفاقية القاهرة وبموجب اتفاقية السلام، بل ارتكبت الجريمة الكبرى في تاريخ السودان وشاركت المؤتمر الوطني في فصل الجنوب بإجازة قانون الأمن الوطني سيئ الذكر في مقابل قانون الاستفتاء لانفصال الجنوب، وفي نفس الوقت أعطت صلاحيات لجهاز الأمن أن يصبح هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وأعطته سلطات الاستدعاء والقبض والتوقيف والتفتيش والاعتقال، وبهذا
القانون ارتكبت به جرائم الإنقاذ وأحزاب الحرية والتغيير، لذلك في فترة الست سنوات التي شاركوا فيها عملوا كل تلك السوأة الكبيرة، وفي ذات الوقت يستثنون أنفسهم في المشاركة ولا يستثنون المؤتمر الشعبي والاتحادي الديموقراطي اللذين شاركا أقل من سنتين، فالسؤال هو هل الدولة السودانية سحبت الجنسية من الشعبي والاتحادي الديموقراطي والأحزاب التي شاركت مع الوطني، أم ما زالوا يتمتعون بها وبكامل حق المواطنة؟ كذلك الوثيقة خلت من نص عام مجرد، والقاعدة القانونية تقول بأنه لابد أن يكون هناك نص مجرد، إذ لا يمكن أن تفصل قاعدة قانونية على أشخاص بعينهم وتتحدث عن الجرائم التي حدثت بعد 30 يونيو وفي نفس الوقت تفصلها على فصائل! القاعدة لابد أن تكون عامة مجردة ومتى ما وافتها الأركان تتنفس. وبالتالي هذه الوثيقة إن لم يتعقلها الناس يمكن أن تفتح الباب لعدم استقرار في البلد. أيضا الوثيقة جعلت الفترة الانتقالية 39 شهراً، وعندما تُضاف إليها الشهور الستة التي حكمها المجلس العسكري منفرداً هي عبارة عن 45 شهراً بينما الحكومة المنتخبة في الدنيا كلها تحكم 48 شهراً، يعني 4 سنين في أمريكا ترمب والذين من قبله، فأي حق تمنح الحرية والتغيير والمجلس العسكري، والاثنان غير منتخبين من الشعب حق أن يحكما للبلد مدة حكم فترة انتخابية كاملة، ويغيبا كل الأمة السودانية لأجل عيون فصيلين تقودهما الغرائز لا الحكمة من أجل السلطة والانكباب على منافعها .
*تتحدث عن الوثيقة كأنها بلا حسنات؟
– لا. من إيجابيات الوثيقة، ومما يؤكد أن الحرية والتغيير لا تسيطر على مفاصل الدولة أن أربع مفوضيات تتبع لمجلس السيادة وهي الانتخابات، وهذا بالنسبة لنا أفضل، لأنه لا يمكن أن تعطي أغراراً غير راشدين سياسياً أن يتحكموا في مصير الدولة، ولن يفوزوا بدائرة واحدة إضافة لمفوضيات السلام والحدود والمؤتمر الدستوري كلها تتبع لمجلس السيادة.
أعتقد أن تكوين مجلس السيادة (ماب طال)، ولكن من عيوبه أن ثورة شبابية تأتي بكهول في مجلس السيادة قامت على غير انتماء سياسي أن يُكوّن مجلسا السيادة والوزراء محاصصة بين العسكري وأحزاب الحرية والتغيير التي باعت الشباب وتاجرت بدمائهم ونسيت الثورة تماما.ً
أيضاً من إيجابياتها أنها لم تُمكّن الانتقاميين الذين يمثلون (قحت) من أن يجعلوها فترة انتقامية، فمن الحسنات أنها ما زالت فترة انتقالية، وبالتالي هؤلاء ليس من أقدارهم الفعل الأساسي، وهذا يقودنا لإحدى السوءات أنها أصبحت مثل صنم العجوة الذي صنعه عمر بن الخطاب يتعبده نهاراً وكلما يجوع يأكل منه ليلاً، الآن هم فتحوا الوثيقة بعد يومين ليعدلوا طريقة اختيار رئيس القضاء واختيار النائب العام بأنه يعينه المجلس السيادي في حين أن الحوار الوطني يتحدث عن مجلس القضاء العالي، النص الأول الذي أجيز كان أكثر تقدماً وهو يشبه النص الذي أجمع عليه الحوار الوطني، ووافقت عليه قوى الحرية والتغيير التي لم تشارك في الحوار وأثنت على كل مخرجات الحوار الوطني.
*عبارة (حوار وطني) ترمز للنظام السابق، وبالتالي طبيعي أن تلفظ مخرجاتها من قادة العهد الجديد؟
– الحوار فريضة دينية وضرورة سياسية وسنة كونية. كيف يستطيعون رفض الحوار، وهو الحوار هو مرسومة تأسيس لأهل الأرض في ذلك الحوار الخلاق الذي دار بين الله والملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة)، فالإشارة لأهل الأرض أن يكون أمرهم حواراً لا جدالاً، الذي يرفض الحوار معناه في النهاية أنه يحمل السلاح، وبالتالي للآخرين أن يتجهزوا للتعامل معه بمثل ما يحمل وصد العدوان.
الحوار كلهم موافقون عليه وصرحوا بأن توصيات الحوار من ناحية موضوعية كانت ممتازة، ولكنهم قالوا حينها إن البشير لن يفي بعهد التنفيذ، وهذا فعلاً ما حدث، ولكن قلنا لهم على الأقل (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). نعمل العلينا وقلنا لهم أن بُعدكم من الحوار هو الذي أضعف التنفيذ، ولو كلنا كنا إيد على إيد تجدع بعيد، لأجبرنا البشير على تنفيذ مخرجات الحوار، ولأن البشير لم ينفذ نحن اشتغلنا مع الحرية والتغيير في الاعتصام من أجل استلام اللجنة الأمنية زمام الأمور في البلد.
ما أريد قوله إنه لا يُعقل أن وثيقة دستورية اشتغلوها اليوم يفتحونها غداً، وهذا يعني أنها لا تمثل إرادة قومية، بل إرادة طرفين، وليس الشعب السوداني، ولو كانت وثيقة دستورية لما فتحوها اليوم التالي لتعديلها.
*ما رأيك في الأسماء المقترحة؟
– في تقديري هي أسماء محترمة جداً ومهنية، وليس لها انتماء سياسي، لكن التعديل في ظرف يومين يعني أنها ليست دستوراً وليست محترمة ولا مقدسة. كذلك الوثيقة لم تتحدث عن أجل انتهاء الوثيقة، هذا تاريخ قد ولى وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ولا نسأل عما فعلت، هذا تاريخ نستوحي منه العِبَر، فنحن أصحاب معادلة توفيقية بين الماضي والحاضر والمستقبل كثير ويكفي أن الترابي حكم حياً وما زال يحكم وهو ميت بأفكاره وبعض الوثيقة مستوحى من أفكار الترابي باعتراف ساطع الحاج نفسه، والشارع لن ينظر للإسلاميين مفردين ولا لـ”قحت” مفردة إنما سينظر لمسرح سياسي الجميع يعرض فيه بضاعته، وحينما تتم المنافسة والمناظرة، فإننا متفائلون وسنفضح هؤلاء الشرذمة القليلين. ونستطيع أن نوفر المال للحملة الانتخابية.
*من أين؟ داخلياً أم خارجياً؟
– من استثماراتنا. نحن الحزب الوحيد ومعنا الإصلاح الآن لسنا للشراء وبقية الأحزاب كلها تباع وتشترى، إما للمؤتمر الوطني أو للخارج، وكذلك الحرية والتغيير فمنهم الذين حجوا لدولة عربية صغيرة تمثل الآن منطقة حرة تجارية، وتحاول أن تئد المشروع الإسلامي السياسي من تونس إلى السودان وتتحدث مجالس المدينة أنه استلم ١٧ ألف دولار، وهنالك حزبان كبيران هما أقرب للعسكري من الحرية والتغيير، لذلك كل الأحزاب السياسية الآن معروضة في سوق النخاسة السياسية.
*أخيراً ما تعليقكم على تهديد القيادي بالحرية والتغيير والاتحادي الموحد محمد عصمت بمقاضاة علي الحاج إثر تصريحه بتمزيق الوثيقة الدستورية؟
– عصمت، جاهل بالقانون .ويتحدث بغريزة العدوان أكثر من العقل الراشد، وهو صنيعة المؤتمر الوطني لحمه ودمه وشحمه من خيراته وظهر أول ظهوره كمدير لبنك السودان فرع كسلا ثم نقل لبنك السودان بالخرطوم ثم التحق بـ “الاتحادي الموحد”، وهو حزب صغير، علي الحاج يقصد بتمزيق الوثيقة أنهم سيمزقونها بالعمل السياسي الراشد، ومن ثم ليست هنالك جريمة يعاقب عليها القانون، والحاج رجل مستقيم ولم يرتكب جريمة في حياته تستدعي المحاسبة، إذا لم تكن هناك بينات، إذا تجرأ محمد عصمت وذهب للنيابة سنرد عليه ببلاغ آخر وفق المادة 14 من القانون الجنائي- البلاغ الكاذب- ومقولته هذه يمكن أن تخضعه للقانون لأنه تهديد.