كيف تقضي على (حواضن) الدعم السريع؟!

كيف تقضي على (حواضن) الدعم السريع؟!

زهير السراج

* يتحدث البعض وعلى رأسهم قادة الجيش عن هزيمة (المليشيا المتمردة) ودحرها وتحرير الوطن منها، وعلى رأس الذين يُصرِّحون بذلك القائد العام للجيش الذي ظل يكرر القول بأنه “لا مفاوضات ولا سلام ولا وقف لإطلاق النار إلا بعد دحر المتمردين وتحرير الوطن منهم”، كما قال قبل بضعة أسابيع أمام حشد عسكري بولاية نهر النيل، وكأنهم يتحدثون عن قوات أجنبية أو عدو خارجي، ناسين أو متناسين أو (متغابين) أن من يتحدثون عن دحرهم وتحرير الوطن منهم هم أحد مكونات النسيج الاجتماعي لهذا الوطن، بل أكبر مكوناته على الاطلاق إذا يبلغ تعداد هذا المكون الاجتماعي الكبير والعريق أكثر من ستة مليون نسمة، وفي تقدير البعض أكثر من ثمانية مليون نسمة، وإذا أضفنا إليهم أبناء عمومتهم من المكونات الأخرى لوصل تعدادهم إلى ما يزيد عن إحدى عشر مليون نسمة، وهم من أكبر وأعرق مكونات السودان الاجتماعية التي تتمدد وتنتشر في معظم بقاع السودان وتكاد تحتل إقليم غرب السودان بكامله من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فضلاً عن مثقفيهم ومتعلميهم وأفرادهم الذين ينتشرون في كل أنحاء السودان واختلطوا بغيرهم من المكونات الاجتماعية الأخرى ولهم اسهامات كبيرة في تاريخ السودان وفي كل المجالات الأخرى لا يمكن لأحد أن يجادل أو يحاجج فيها، كما إنهم يمثلون عدداً كبيراً من السودانيين في الخارج، ودعوني هنا أتخلى عن الدبلوماسية والحرج واُسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، مستخدما كلمة (قبيلة) بدلاً عن تعبير (مكون اجتماعي) أو (حاضنة اجتماعية) كما درجنا ودرج البعض عند الحديث عن القبائل حتى ينأى بنفسه عن العنصرية والقبلية!.

* الكل يعرف أن العمود الفقري لقوات الدعم السريع هي قبيلة (الرزيقات) وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى مثل المسيرية، ولا يستطيع أحد أن ينكر أو يجادل في ذلك، وهما من أضخم وأعرق القبائل السودانية ولهما الكثير من الاسهامات الضخمة في كل المجالات في السودان، كما أسلفت، ويكفي أن تحرير السودان والخرطوم من الحكم التركي في القرن التاسع عشر بقيادة الإمام (محمد أحمد المهدي) لم يكن ليحدث لولا استعانته بهذه القبائل التي عرفت بالشراسة والبأس والشدة والشجاعة في القتال!

* وأتساءل هنا بعيدا عن الكلام المغلف: ” هل يمكن دحر قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى وتحرير السودان منها، وهي قبائل سودانية ضخمة وأصيلة وقحة لها في السودان مثلما لبقية القبائل والمكونات الاجتماعية الأخرى، وهل يجوز طرد وتحرير السودان من قبائل سودانية ومواطنين سودانيين، إلا إذا كان الذين يرددون هذا الحديث الفج البعيد عن العقل يتحدثون عن حرب إبادة عنصرية قذرة (مثل الحرب الأهلية في رواندا) تتم فيها إبادة قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها لدحر قوات الدعم السريع، ولا بد أن أذكر هنا المحاولات الحثيثة للكيزان منذ اندلاع الحرب لتجييش المواطنين تحت مسمى المقاومة الشعبية بغرض توسيع دائرة الحرب والانتقال بها إلى مرحلة الحرب الأهلية (قبائل الوسط والشمال ضد قبائل الغرب)، واللغة العنصرية التحريضية القبيحة للأبواق الإعلامية الكيزانية، فضلاً عن الانتهاكات والاعتقالات التي يتعرض لها مواطنو الغرب في مناطق الجيش بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وأغلبها اتهامات زائفة، ولقد أفتى قبل بضعة أيام المدعو (عبد الحي يوسف) بجواز القصف الجوي للحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، وهو يقصد بذلك قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى!.

* ولكن إذا كان الجيش الذي فشل وهو في أوج قوته في القضاء على التمرد في الجنوب (1955ـ 1971 و1983ــ 2005 )، وعلى التمرد في دارفور (2003 و2004 ــ وحتى اليوم) رغم هشاشته (حركة العدل والمساوة وحركة تحرير السودان) واضطراره للاستعانة بالدعم السريع للقتال نيابة عنه، وعلى التمرد في جنوب كردفان وجبال النوبة (2011 حتى اليوم)، لأسباب من أهمها وجود حواضن اجتماعية تغذي التمرد، فهل يستطيع الجيش الضعيف المفكك الآن وحلفاؤه في الحركات العسكرية الانتهازية التي تحارب من أجل المال والمصالح الشخصية، بالإضافة إلى فشل مشروع المقاومة الشعبية الذي لم يتمخض إلا عن مجموعات إرهابية هزيلة ليس لها ثقل عسكري يذكر، هل يستطيع دحر التمرد الذي يبلغ تعداد حواضنه الاجتماعية أكثر من 8 مليون نسمة وتحرير السودان منهم، وهي التي اشتهرت بالشراسة والبأس الشديد في القتال؟!

* وحتى لو كان الجيش قوياً جداً وأسطورياً يستطيع دحر التمرد وتحرير السودان منه، كما ظل يردد ويكرر القادة المهزومون، فهل سيسمح العالم بحرب إبادة جماعية ومأساة إنسانية مرة أخرى في إفريقيا؟!

* أما بالنسبة لما يفكر فيه الفلول بفصل وتقسيم السودان كما فعلوا من قبل بفصل الجنوب ليكون لهم الحكم في ما يسمى (بمثلث حمدي) أو (دولة النهر والبحر)، فلا الوضع الاقتصادي المتردي ولا الوضع الجيوي سياسي ولا الإقليمي ولا الرفض الشديد الذي يجدونه في الداخل والخارج ولا التكوين الاجتماعي في السودان، يسمح بذلك ..!

* الخيار الوحيد أمامهم .. هو الخضوع للتفاوض أو دحرهم والقضاء عليهم للأبد!.

[email protected]

الجريدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى