(حميدتي) يطلق النداء الأخير‼️
علي أحمد
الناظر بعين ناقدة وفاحصة، ليست قادحة أو مادحة، للخط الإعلامي والدبلوماسي لقوات الدعم السريع وخطابات قائدها، لا يملك إلّا أن يثني عليها لثبات مواقفها ومبدئيتها وأخلاقيتها في هذا الخصوص، واخرها تغريدة “حميدتي” على صفحته الرسمية بمنصة (ْX) -تويتر سابقاً- بتاريخ أمس 18 أغسطس، والتي خصصها للمقارنة بين موقف قواته من المفاوضات وموقف (عصابة بورتسودان) كما أطلق عليها واتفق معه تماماً على هذا الوصف الدقيق.
افتتح الفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع تغريدته المشار إليها، بعبارات دقيقة وواضحة، قال فيها: “لقد بات جلياً بشكل لا لبس فيه أن البرهان وزمرته يفتقرون إلى أي التزام حقيقي بالتفاوض أو بالعمل من أجل مستقبل السودان أو تخفيف معاناة شعبه، الذي يواجه تحديات كبيرة بسبب الحرب التي أشعلتها الحركة الإسلامية وقياداتها في القوات المسلحة”.
ولكي يثبت صحة حديثه هذا، أردف بالقول:” ففي الوقت الذي يتواجد فيه وفدنا المفاوض في جنيف وبرغبة صادقة لإيجاد حل للأزمة السودانية، تركز عصابة بورتسودان وبشكل أساسي في الحفاظ على امتيازاتها ومصالحها الخاصة، التي لا تنفصل عن مصالح النظام القديم، الذي أورثنا الحروب والنزوح واللجوء”.
إذاً، الرجل يقر حقائقاً لا يستطيع أحداً أن يجادله فيها، أو ينفيها، فقد بات الجميع يعرف أن عصابة بورتسودان لا شأن لها بما آلت إليه أحوال الشعب السوداني وأنها لا تعيره اهتماماً، وإنما تركز على استمرارها في السلطة على الرقعة الجغرافيا الضيقة التي تسيطر عليها ومواصلة نهب الموارد والثروات وترك الشعب يواجه مصيره المحتوم من تشرد وجوع ومرض وفقر وموت بعد أن صنعوا الحرب ووضعوه في أوارها، وهذا ما أقرته التغريدة بأن من أشعل الحرب هي الحركة الإسلامية وقياداتها في القوات المسلحة وأن البرهان وزمرته يفتقرون إلى أي التزام حقيقي بالتفاوض من أجل مستقبل البلاد أو تخفيف معاناة الشعب.
لا أحد يستطيع أن يقول عكس ذلك، فمنذ أن أشعل (الكيزان) الحرب، تداعى المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي لإطفائها وهي لا تزال شرارة، ووافقت قوات الدعم السريع واستجابت لذلك، لكن ظلت هذه العصابة تقف حجر عثرة أمام تحقيق أي تقدم في المفاوضات، إما برفض الجلوس مع الدعم السريع أو بالموافقة ثم الانسحاب في آخر لحظة أو بالاشتباك مع الوسطاء وشتمهم ومهاجمتهم إعلامياً بطريقة سخيفة كما حدث مع الاتحاد الأفريقي وإيغاد، وتارة مع السعودية (جدة وجدادة)، أو بالمضي قدماً حتى الوصول إلى مرحلة التوقيع بالأحرف الأولى كما حدث في “المنامة”٧ عاصمة مملكة البحرين ثم تسريب الوثيقة إلى الإعلام واجهاض كل شئ، أو بالمراوغة كما يحدث الآن في مفاوضات جنيف .
في المقابل ظلت قيادة الدعم السريع ملتزمة بالتفاوض كمبدأ أساسي واستراتيجي من خلال استجابتها لجميع المبادرات الاقليمية والدولية، التي تهدف إلى وقف الحرب، حتى صار شراذم الفلول تروج بأن ذلك ضعفاً منها، فيما هي تعلم من هو الطرف الضعيف والمحاصر والهارب من المعركة ومن الجهة التي تستحوذ الآن على أكثر من 70 بالمائة من مساحة السودان وتفرض طوقاً على من سماهم (حميدتي) بالجنرالات المرعوبين، الذين هربوا من العاصمة ليتحكموا في مصير الشعب.
مما لا شك فيه أن قوات الدعم السريع لن تستمر في موقفها هذا إلى الأبد فربما ينفد صبرها قريباً، ما لم يبد الطرف الآخر قدراً من المسؤولية، لذلك أرسل إليه قائدها رسالة واضحة مفادها: “سيكون أمامنا خيارات كثيرة، قادرين على تنفيذها متى ما أصبح ذلك ضرورياً”. وحين تشرع الدعم السريع في تنفيذ تلك الخيارات لن تعود مرة أخرى إلى المفاوضات، بل ستذهب مباشرة إلى البحر الأحمر، حينها لن تجدي أي وساطات أو نداءات، ولذلك وجهت قوات الدعم السريع دعوة واضحة للسودانيين وأعضاء المجتمع الدولي الحادبين على تحقيق السلام إلى اتخاذ موقف حاسم إزاء الاستهتار الذي يبديه قادة المؤسسة العسكرية المختطفة بمعاناة ملايين السودانيين وبقضية السلام والاستقرار في السودان.
وبظني أن هذه الدعوة أشبه بالنداء الأخير، ما قبل الاجتياح الكبير، إنه السكون الذي يسبق العاصفة، حينها لن تجدي أي نداءات ودعوات ولن تثمر إلا البندقية، وهذا ما لا تمناه، لكن يبدو أن الفلول والكيزان وقادة الجيش التابعين لهم لا يفهمون إلا هذه اللغة، ومعروف من هو الطرف الفصيح ذو اللسان الطليق في هذا الصدد.