نتفهم احتياج كل الكيانات الفكرية والسياسية وما سواهما إلى قيادة ملهمة توحد كلمتهم وتشحذ هممهم وتقودهم نحو غاياتهم فيتساوقون إلى أهداف مرسومة لا يضرهم واقع التجربة والحادثات والصروف، مطمئنين مخبتين:
(سايقة صلاح).
صحا أهل الحركة الإسلامية على غير عادتهم ليجدوا أن عمر البشير زُحزح قليلاً من بيته الذي جاءهم منه في كوبر. وأضحى حبيساً ليس له من أمرهم ولا أمر البلاد من شيء. فهل (قطع راسهم) فعلا.. أم إنها سانحة قدرية جيدة وفارقة لـ(الصحيان) بحق، والإتيان بواجب الحراك وإنتاج الحلول وإحداث المفاعلة والتغيير…
كان البشير- فك الله أسره- يحكم البلاد والحركة معاً- بذات الطريقة والتفاصيل .. ما حصل للبلاد حصل للحركة.. حتى إذا ما تغير ذلك على البلاد تغير الأمر بالضرورة على الحركة..
لم يكن البشير مفكراً وسياسياً فذاً، ولم تكن له مساهمات تأسيسية أو (تشطيبية) باذخة في مجمل عطاء الحركة الإسلامية.. هو رجل من غمار أبنائها في الجيش.. صدف أن صعدت حظوظه بعد اجتماع (جرح وتعديل) للمكتب العسكري بعد استشهاد مختار محمدين.. فاختاروه وسلموه كل شيء، حتى (عوض جادين).. ليلاقوه على موعد الشراكة القصيرة المضروب لإدارة أمر البلاد..
والراجح المنظور أن صعود نجم البشير واتساع سلطته وزيادة قوة قبضته كانت تعني ارتخاء الحركة وحلحلة مفاصلها وتعقّد أمرها وسيبان برامجها كما وأنه كان فراق بينها والحكم (فراق الطريفي لي جملو).
منذ أن قرر أن يقود البلاد وحده وأن (يشكها) لم تتركه تلك المتلازمة فيما يشبه العادة المتسلسلة.. (يدكها) ثم يعيد توزيع أوراق اللعب، وهكذا حتى سئم اللاعبون واهترأت أوراق اللعب.
لم تكن الحركة الإسلامية تملك من أمرها شيئاً.. حكم باسمها بينما كانت كل قدراتها وأذكيائها بئر معطلة وقصر مشيد.
ما شاد البشير من أحد منهم إلا وتسربل في مشاكل لا حصر لها تتكفل بها إشارة منه إو تلميح فتتماهى بقية القرود التي تعرف دورها جيداً وهي متوفرة في كل (زمكان) وكل كيان..
وليس أدل من ذلك خطواته الفجائية المُربكة في اغتيال شخصية (أي زول فوقو رقشة) وتصفية (المنصة من أي رصة).. يعجبه أنه الأوحد والمأمون علي كل شيء… المنقذ من الضلال مفجر الطاقات موفور الخصال.. لذلك (لبد) بكري حسن صالح – وكان يعرفه- عن أداء أي دور فارق يمكن أن تفسره غيرة البشير المفرطة في غير محلها برغم أن الناس قد علقوا على رئيس الوزراء المستحدث آمالاً عراضاً واستبشروا به وألحوا عليه أن يتحرك .. لم يتحرك الرجل، ومع ذلك لم يسلم من المقصلة، فلقد تكفلت جلسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المغلقة معه لساعات بتقليب المواقف والمواجع واستثارة الحساسية ..
تحسس الفريق أول بكري طريقه إلى منصب النائب الأول على حين غيرة… ولا زال الناس وبكري يتذكرون كيف أودى البشير بعلي عثمان محمد طه بحجة التغيير!! كان علي عثمان في أوج نجاحه والعطاء وفجأة أهبطه السكون..
كلما علا نجم وارتفع إلا وكان في (نشنكة) الرئيس التي لا تخيب.
تذكرون حسبو محمد عبد الرحمن، الذي منح الحيوية لمؤسسة الرئاسة وأعطى للحكم احترامه وكلمته الفصل.. محلقاً في في عواصف البشير!!
ولن ينسى أحد بروف غندور الذي حظي يما لم يتوافر لأحد من قادتنا من الحب والاحترام نظير ما أنجزه من اختراقات في ملف العلاقات السودانية الأمريكية وملف علاقات النظام والناس.. لكنه كان قد (تم دورو اتدور)!!
كان البشير محباً مشفقاً على البلاد والحركة الإسلامية، متفانياً في بذله وعطائه، مستأثراً وحده بالرأي والفعل فلا هو سقى أوردتهما بالحياة والدماء الحارة ولا تركهما تأكلان من خشاش الأرض..