صناعة الفرعون.. مسجد ابن البرهان‼

صناعة الفرعون.. مسجد ابن البرهان‼

علي أحمد

على هامش الحرب ثمة أمور مذهلة تنمو وتزهر وتثمر، لكن معظمنا يتجاهلها باعتبار أن الحرب هي الفعل الجدير بالنظر والاهتمام والعناية وما دونها لا قيمة له، أو لم يحِن حينه بعد، وهذه نظرية خاطئة لأنها تهمل جميع نتائج الحرب حتى تستفحل وتترسخ وتصبح كل واحدة منها قائمة بذاتها.

وفي هذا السياق، ما رأيكم في القصة التالية التي أوردتها وكالة السودان للأنباء (سونا): (وضع أمين عام حكومة كسلا، ممثل الوالي؛ حجر الأساس لمسجد الفقيد محمد عبد الفتّاح البرهان الذي تنفذه منظمة تراحم الخيرية، بمدينة ود شريفىّ بمحلية ريفي كسلا. مؤكداً أن المحلية ستقدّم الدعم لإكمال مسجد فقيد البلاد وليس لأسرة البرهان، داعياً مجتمع المنطقة للمساهمة في إكمال تشييده).

أولاً، نترحم على الفقيد الذي لقي حتفه في حادث مروري إثر اصطدام دراجته النارية (الموتر) التي كانت يقودها بعربة نقل 7 مارس من العام الجاري، بقي إثرها في المستشفى قرابة شهرين قبل أن يتوفى في مايو.

وبالطبع لا شماتة في الموت ولا تسمح لنا قيمنا السودانية والإسلامية بذلك، لكن الشماتة أمر وقول الحقيقة أمر آخر، و(الحقيقة مُرّة) كما يقول المثل الشعبي، ولذلك فإن ما تفعله محلية كسلا ما هو إلا ترسيخ لصناعة صنم جديد مستبد آخر، ممثلاً في شخص قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، فابنه المرحوم لم يمت في ميادين القتال وإنما أثناء جولة ترفيهية في العاصمة التركية أنقره على ظهر دراجة نارية، بينما كان والده يزج بمن هم في سنة ويدفع بهم إلى ميادين القتال من أجل بقاءه في السلطة، وقد مات من بين هؤلاء كثيرون منسيون لا أحد يذكرهم، ولا أحد يتألم لفقدهم غير أهلهم وأسرهم وآبائهم وأمهاتهم، فيما هو بعث أسرته ومن ضمنها ابنه محمد إلى أنقره حيث اشترى لهم قصراً منيفاً في ضاحية (أنجيك) بالعاصمة التركية بلغت قيمته 3 ملايين دولار، ليعيشوا بعيداً عن ضوضاء الحرب ودوي المدافع وأزيز الطائرات وزخات الرصاص، يواصلون تعليمهم ويستمتعون بالرفاهية والأمن والأمان، فيما يموت الشعب السوداني بالرصاص والجوع والمرض ويحرم الأطفال من التعليم ومن أبسط مقومات الحياة، وما درى وما تأمل الآية الكريمة: ” أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدة”، دعك عن قصر حصين في أنجيك، فقدر الله وما شاء فعل، ووقعت الواقعة وحدثت الحادثة.

توفي محمد عبد الفتاح البرهان في حادث مروري، ولم يستشهد في معركة، وربما لم يطلب والده من هذه المنظمة ولا من حكومة ولاية كسلا أن ينشؤوا مسجداً باسم ابنه، لكنهم كيزان لا يعيشون دون فرعون، يصنعون فرعوناً جديداً، يريدون أن يتقربوا من البرهان زُلفى، بإطلاق اسم ابنه على المسجد، وقد كان حرياً بهم أن يطلقوا على المسجد اسم (مسجد الكرامة) أو (مسجد الندامة) أو (مسجد الخسارة) كتأريخ لحربهم، لكنهم يصنعون كما أسلفت فرعوناً آخر، مستبداً جديداً، هؤلاء الكيزان الانتهازيون السفلة يتاجرون بكل شئ، حتى بموت ابن قائد جيشهم، يا لهم من أوباش حُقراء بلهاء.

مثل هؤلاء، هم الذين يجرون البلد إلى الوراء، يعودون بها القهقهري، فلا محمد البرهان يحتاج إلى ذلك، ولا بلدة ود شريفي وسكانها يحتاجون إلى مسجد، فمنطقتهم ليس بها سوى دور العبادة و”الرواكيب الخلاوي”، والمدارس القرآنية، فكان الأولى أن توجه هذه الأموال إلى بناء مدرسة أو مستشفى لهم، أو تذهب إلى إغاثة النازحين والتصدق بها للأطفال الفقراء الذين تركوا منازلهم في الخرطوم ومدني وسنجة والدندر والسوكي وخلافهم، وأن تصرف في مكافحة المجاعة التي تضرب البلاد هذه الأيام .

لكن هذه المنظمة الكيزانية الفاسدة وهذا الوالي الكوز الأكثر فساداً، يعمدون إلى التقرب إلى قائد الجيش بهذه الطريقة البشعة التي ربما تنقلب عليهم جميعاً، حين يشعر الناس الذين مات أبنائهم في الحرب ممن دفع بهم البرهان إليها عبر ما يسمى بالاستنفار، بأن لا قيمة لأرواح ودماء أبنائهم، لأنهم ليسوا أبناء البرهان فإن مصيبة ولعنة ستحل حينها على قائد الجيش نفسه.

اللهم ألعن الكيزان وصب عليهم عذابك عاجلاً غير آجل، ولا توفقهم في هذا العمل الفاسد، اللهم أجهضه حتى لا تقوم له قائمة. إنهم يصنعون مستبد جديد فرعون آخر، فدمره ودمرهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى