مؤامرة العطا والكيزان.. تحليل
علي أحمد
ما إن أكملت الاستماع إلى لقاء مساعد البرهان “ياسر العطا”، وهو رجل بلا عطاء، حتى خاطرت ذهني وقلبي الآية الكريمة من سورة الأعراف: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث).
وفي ثقافتنا المحلية نقول: “مرمي الله ما بترفع”، وياسرٌ هذا – أكرم الله السامعين – ليس فيه من العسكرية شئ ولا من الرجولة ولا الإنسانية شئ، فهو بلا رأي؛ يضع له أسياده الكيزان نقاطاً وحروف يضعها على لسانه (المطلوق) ويبعثرها في الهواء مباشرة، وهو مُستخدمٌ من الفئات الدُنيا التي تندرج تحت فئة (الإضينة).
قال الرجل بطريقته الهزلية وبصوته المتهدّج المرتجف اللاهث إنه كان (يتونس) – لاحظ مفردة يتونس- بالتلفون قبل ثلاثة أربعة أيام، مع (الأخ) البرهان، فقال له (الأخ البرهان) : ياخي اسمع ما (تتفقوا) انت وكباشي، أسلم كباشي هذا الأمر، قائلا أنا خلاص وصلت الحد، قلت ليهو: “كلنا وصلنا الحد لكن المسؤولية أمام التاريخ وأمام الأمة السودانية نهزم هذا التمرد ..إلخ.
يا لحزني على الجيش، لقد انهار تماماً في ظل هذه القيادة الضعيفة المرتعشة غير المسؤولة؛ فها هو مساعد القائد (الرجل الثالث) في تراتبية الجيش، يتحدث عن قائدة بهذه الطريقة التي تفتقر إلى الاحترام والتأدُب والانضباط العسكري، فكيف بالله تتحدث عن قائدك العسكري أمام الملأ بصفة (بتونس) و(الأخ)، حتى لو كنا نعرف انه قائد مهزأ فطرة؟ هل هذا جيش شلة أم عائلة أم شراكة أُسرية أو حزبية أم شرذمة عطالى وصعاليك؟!، مع معرفتنا بان جميع ما سبق صحيح.
هذا لا يحدث في العالم كله، كيف تقلل من شأن قائدك إلى هذا الحد وتستكثر أن تتحدث عنه أقله بأن تناديه بالسيد القائد العام، وان تصف ما جرى بينكم بحديث لا “ونس”، هذا عبث وهدم للتراتبية العسكرية بطريقة غير مسبوقة، ثم كيف (تتفقوا) هل الجيوش تتم فيها الأمور بهذه الطريقة، فاذا كان (الأخ برهان) يرغب في التقاعد كما يقول المراوغ الكذوب، فان القيادة تذهب مباشرة بالأقدمية والتراتبية العسكرية لنائبه الكباشي، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لم وفيم اتفاق العطا معه في أمر هو محسوم عسكرياً بالأصل؟!
ليس ذلك فقط، وإنما ما الدافع الذي يجعل ياسر العطا يكشف عن محادثة خاصّة بينه وبين قائدة على الملأ ، إذا كانت صحيحة في الأصل!، وما أظنها كذلك. ثم ما الذي يريد أن يقوله الرجل، ما الرسالة التي يريد إيصالها إلى البرهان وكباشي معاً؟!
واضح جداً، أن العطا يريد أن يُهيئ الرأي العام لانقلاب كيزاني جديد يسعى للإطاحة بالبرهان أولاً، ثم إجبار الكباشي على التنازل عن حقه في تولي القيادة وفقاً للتراتبية العسكرية والأقدميّة، وبالتالي يتولى خادم الفلول المطيع قيادة الجيش، وهذا الاحتمال الأرجح.
قلت إذا كانت المكالمة التي تحدث عنها العطا صحيحة، فهذا يعني ببساطة شديدة أن الكيزان ومليشياتهم اتخذوا قرارهم بالتخلص من البرهان، لكن ماذا سيفعلون بالكباشي؟، فهم لا يريدونه لأسباب جهوية في الغالب، أو بالأصح لأسباب عنصرية واضحة، ولهذه الأسباب نفسها يحتفظون به الآن، لأن معظم ما تبقى من قوة الجيش المقاتلة على الأرض من نفس المكونات الاجتماعية التي يأتي منها الكباشي، ربما لذلك أوعزوا لصبيّهم المطيع أن يرمي حجراً في البركة الساكنة (بالونة اختبار)، اعقبتها قائدة الجيش الحقيقية الكوزة (سناء حمد) بمنشور على صفحتها بالفيسبوك، قائلة: “العطا والكباشي كلاهما محل تقدير ، ولكن التحدّيات تكمن في التأثير الخارجي فمن له الجرأة والإقدام لمواجهة التحديات الخارجية؛ لا نقول الأفضل، ولكنه الأنسب، فكباشي تمت تجربته خارجياً لقيادة وفد التفاوض وقد أخفق”.
بغض النظر عن ركاكة منشور (سناء) هذا، وضعف تحريره، لكننا هنا نركز على شرحه وتفسيره وتفكيكه، ولماذا أعقب تصريحات العطا مباشرة، وأين موقع البرهان هنا، ولماذا تحدثت عن الكباشي والعطا، وقدمت الثاني على الأول، وكان يفترض أن يحدث العكس وفقاً للتراتبية العسكرية؟.
إن الإجابات على هذه الأسئلة، ستفسر لنا ما يدور من مؤامرة كبرى طرفيها الكيزان وياسر العطا، للتخلص من البرهان والكباشي معاً، وهي (أي المؤامرة) لم تبدأ اليوم، وإنما تبلورت فقط، فلو تذكرون أن مجموعة من الصحفيين الكيزان (الجهويين) كانوا قد وقعوا منذ الأشهر الأولى من الحرب على مذكرة يطالبون فيها بإقالة البرهان وتعيين ياسر العطا بديلاً عنه، متجاوزين شمس الدين الكباشي.
ترغب هذه الفئة من الكيزان (الجهويين) في التخلص من عبد الفتاح البرهان، لكن الرجل وضع فخه مبكراً بتعيينه الكباشي الذي ينتمي إلى جماعة ينتسب إليها نحو 60% من الجنود وصف الضباط والضباط الصغار المقاتلين الحاليين في صفوف الجيش؛ نائباً له، وفوق هذا وذلك فهو وفقاً للتراتبية العسكرية كما أسلفت يفترض أن يصبح قائد الجيش حال استقال البرهان أو أُجبر على ذلك، أو تمت إطاحته، فكيف السبيل إلى التعامل مع هذه العقبة الكؤود، دون أن يترتب عليها ما لا يُحمد عقباه، كأن يحدث تمرداً واسعاً وانقساماً رأسياً وأفقياً في الجيش نفسه؟.
لذلك قال العطا ما قال، وقالت سناء حمد ما قالت، ورويداً رويداً ستتم شيطنة الكباشي ووصفه بالضعف والخوار ثم بعدم الكفاءة في التعامل مع التحديات الخارجية، ثم إجباره على التنحي. أما البرهان فقد اُتخذ القرار النهائي بشأنه.
التفسير الآخر ، هو أن العطا قال ما قال بترتيب مع البرهان، في إطار لعبة تقسيم الأدوار التي أصبحت حلقاتها تضيق أكثر، للتخلص من كباشي الذي انتهت فترة صلاحيته بالنسبة لهم، بعد أن أدى كل المهام القدرة المطلوبة منه؛ من التآمر على المدنيين ومن ثم الانقلاب على حكومتهم وحتى الحرب، وقد آن اوان تغييبه عن المشهد، سلماً، أو على طريقتهم المفضلة باستخدام طائرة One way تقلع ولا تهبط ، وإلا فمن هو ذلك المجنون الذي يمكن أن يصدق بان البرهان الذي قتل بدم بارد ما يزيد عن 200 شاب وشابة في تظاهرات سلمية ضد انقلابه، ويقتل الآن عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف مثلهم، ويجوع ويشرد الملايين من أجل تحقيق حلم والده، يمكنه أن يتنازل ويتخلى عن حلمه المدمر هذا طوعاً لكباشي أو العطا؟!
أمر آخر، مهم – بعيداً عن الانقسامات بين (الثلاثي المدمر) ورد في حديث ياسر العطا، وهو أن حلفاً دولياً وإقليمياً يضم السودان ودولاً أخرى في طور التكوين؛ يقصد حلف (روسيا، الصين، إيران، والجزائر) مقترناً مع ما كشفه عن حصول الجيش على أسلحة نوعية ستحسم الحرب لصالح الجيش في أيام معدودات، وهذا هُراء، فأي من هذه الدول لن تغامر في التورط مباشرة مع (شلة عسكريين) ضعفاء، غير معترف إقليمياً ودولياً بحكومتهم ذات الميول الإخوانية المتطرفة، فالعلاقات بين الدول تقوم على المصالح، ولا اعتقد أن لأحد مصلحة حالية أو مستقبلية مع حكومة (بورتكيزان) خصوصاً وأنها هُزمت هزيمة ساحقة في هذه الحرب، وبالتالي فهي الطرف الأضعف في المعادلة، لذلك لا تأخذوا كل ما يقوله هذا الرجل المعتوه، مأخذ الجد، ولا تؤأخذوه على أحلام السفهاء.