هروب الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات السوداني
هروب الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات السوداني
إسماعيل عبد الله
من منكم حلم مجرد حلم بالدكتور نافع علي نافع رئيس جهاز مخابرات النظام الإخواني الأسبق، في أكثر مراحله بطشاً بالمواطن السوداني، وهو يهرب ويعرّد ويولي الدبر، بعد أن ألحقت الهزيمة بكتائبهم التي نعلمها جيّداً بسجلها الأسود، في تعذيب وسجن وتشريد الشرفاء من أبناء هذا الشعب الكريم الطيب المسامح، لقد تبجح هذا المجرم أيما تبجح حينما كانت أسباب السلطة بيده، لكنه بعد أن عرف صمود الرجال وقوة شكيمة الأحرار، ابتلع حديثه المتعجرف بقوله أن من يتجرأ على دحر نظامه الفاسد، كمن يحاول لعق كوعه، العبارة التي آذت آذان السودانيين زماناً، لقد كان نافع علي نافع (ضار علي ضار)، من أكثر كوادر حزب المؤتمر الوطني – الإخوان المسلمين استكباراً واستعلاءً، إنّه الكادر الإخواني الذي ما وجد منبراً من منابر الحديث إلّا وتطاول على الشعب السوداني وتعالى عليه، في صلف وغرور بائنين لا يحجبهما حاجب لماذا هرب الدكتور نافع المنافح عن نظام الثلاثين من يونيو الإرهابي؟ ، لم لا يتحزم ويتلزم ويموت ميتة الشجعان؟، وهو المجاهر بالخطاب الصدامي الزائف المتخفي وراء صولجان السلطة، بل السؤال الأهم والأكثر أهمية أين سيّده الدكتاتور الذي علمه السحر؟، الذي أدخل البلاد في أتون حروب لم تنتهي حتى بعد إسقاطه؟ أين وأين؟، وما هو مصير مجرم الحرب الآخر المدعو أحمد هرون؟، الذي كان يكيل الوعيد والتهديد للأبرياء والضعفاء ويتعهدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وكان يعلنها داوية بأنه لا يحمي الأسير ولا يؤمن بهذا المبدأ القرآني، بل ويطالب جنوده المقهورين الذين يعملون تحت لواءه، بأن يقتلوا الأسرى، ويمسحوهم ويكسحوهم وينهوا وجودهم من ظهر البسيطة، كان يتفوه بكل قسوة وانعدام للرحمة والإنسانية عندما يقول بأنه لا يريد حياً من الأسرى، في جرائم ضد الإنسانية متسلسلة ارتكبها هذا القاتل طيلة مسيرته الاجرامية مع حزبه الكارثي ، كيف تخفّى هؤلاء الجبناء الذين كانوا يتدثرون بخيلاء السلطة التي لا تدوم.
هذا اليوم الذي هرب فيه الدكتور نافع علي نافع، بمثابة فرحة وانتصار لآل الدكتور الشهيد علي فضل، وقصاص لأسرتي الطالبة الجامعية المغتصبة صفيّة والعميد الريح، ومسرة لأسر شهداء كجبار ومجزرة بورتسودان، وغبطة لذوي ضحايا حرب الإبادة الجماعية بدارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، ونصر مبين للأسر التي فقدت فلذات أكبادها إغراقاً في مياه ترعة مشروع الجزيرة، وخبر مثلج لصدور أمهات شهداء معسكر العيلفون للخدمة الإلزامية، الذين قضوا قتلاً بالذخائر المنطلقة من الخلف (كعادة الجبناء الذين يتهددون الناس ويتحدونهم بلعق كوعهم)، ومناسبة يحفها التهليل والتكبير والفأل الحسن، لمن فقدوا أبنائهم في معتقلات موقف شندي ولم يجدوا لهم أثر حتى اليوم، إنّه يوم القصاص الرباني أن يشاهد المحسوبون على الضحايا صورة المجرم المتخم بأكل مال الشعب، وهو يجلس جنباً إلى جنب حول طاولة شعبية بمكان عام يرتاده العامة، بعيداً عن بهرج السلطة محروماً من نشوة الكرسي الموضوع قبالة شاطئ النيل الأزرق داخل شرفة من شرف القصر الجمهوري، هذه هي حكم آيات الله التي يتلونها صباح مساء ولا يعقلونها، لأنهم أحبوا الدنيا وكرهوا الآخرة، فقتلوا المعلم بخازوق في أبشع صورة لإهانة العلم والمعلمين، وضربوا مسماراً على رأس طبيب تمادياً في استئصال الرحمة والإنسانية من قلوب الناس، لقد فعلوا ما أخبرنا به الشهيد الأول المصادم لجماعة الهوس الديني – الأستاذ محمود محمد طه، بأنهم يفوقون سوء الظن العريض، لقد قتلوا أحلام الأطفال وهم يلجئون إلى أحضان أمهاتهم في جبال النوبة، في مشاهد ينفطر لها القلب السوي الخالي من قسوة هؤلاء الوحوش، إنه اليوم الذي ضربت فيه دفوف النصر الكنداكات والشيخات والميارم وجميع نساء بلادي المستلهمات لعبر البطولات التي قدمها أسلافهم في دحر الطغاة.
لقد حاضرنا الإخوان المسلمون حول جدلية عار التولي يوم الزحف، وحدّثونا عن خطورة هذا الفعل الشنيع، وحذّرونا من مغبة الوقوع في فخ هذا الجرم العظيم، وها هم اليوم يهربون ويهرولون ويزحفون ويولون الدبر من الخرطوم ومدني وسنجة، كيف يستقيم (ديناً) هذا السلوك المنبوذ حسب المحاضرات التي لقنها فقهاء الضلال لتلامذتهم بمعسكرات الجهاد المزعوم؟، أولئك المتسلقين لجدار الدين كذباً وافتراءً، ها هم اليوم يثبتون أنهم أجبن من فأر يتوارى خلف شقوق الحيطان، لقد حكموا هذه البلاد حكم الجبان الذي لا يواجه والعربيد الذي لا يصارح، والكهنوتي الذي يتخذ من الدين منطلقاً لممارسة السحر والشعوذة ، لإيهام الناس بأنه مهدي آخر الزمان، إنّ عملية هروب المجرم نافع علي نافع الذي كان متحصناً خلف أسوار الدين تزندقاً وتزلفاً ، والمتستر وراء الجهة الجغرافية نفاقاً ، يعني انهزام مشروع (الكلاب الضالة) – الوصف الذي أطلقه عليهم العقيد الشهيد معمر القذافي في حربه ضد الزنادقة ، لقد ذهبت أدراج الرياح كل الأهازيج التي كان يتمايل مع إيقاعها الغلمان المنعّمون من فرق (الغناء الإسلامي) – (الصحوة والصفوة) ، فبعد كل ذلك الضجيج (الإسلامي) الحاث على الشجاعة والإقدام، أطلق رئيس جهاز المخابرات السوداني الأسبق ساقيه للريح، هرباً من الأسر والتعرض للسؤال الشهير: كيف المعاملة – المعاملة كيف؟، السؤال التقليدي الذي يطرحه الأشاوس على أسراهم، الذين يجدون منهم حسن المعاملة وكرم الضيافة، في انعكاس صادق لقيم الدين التي تشدق بها الهارب نافع دون أن يترجمها سلوكاً.