استهداف الأمن لكوادر الحرية والتغيير وبيان “محامو الطوارئ” حول أبناء الغرب
استهداف الأمن لكوادر الحرية والتغيير وبيان “محامو الطوارئ” حول أبناء الغرب
صلاح شعيب
مع بدء لحظة الحرب وجد أمنجية نظام البشير الفرصة لاستئناف القمع من ناحيتين: استهداف كادر قوى الحرية والتغيير، واعتقال من يسمونهم المنتمون لحواضن الدعم السريع. ومع اشتداد حملات القتل المعنوي المستمرة ضد شخصيات هذا الكادر الوطني، وصدور قرارات الولايات بحل لجان المقاومة، وإصدار أوامر قبض قادة التحالف الذي قاد الثورة ضد الكيزان، خلا الجو للأمن فباض منسوبوه، وأصفرت أوداجهم. وحين اجج مؤيدو الحرب خطاب الكراهية – متزامناً مع جز رؤوس أبناء البقارة الأبرياء – نزل الأمنجية إلى رغبة جزء من الرأي العام الذي يغذيه الكيزان، وطالت الاعتقالات أبناء دارفور وكردفان، ولاحقاً قُدم بعضهم لمحاكمات وصلت إلى التعذيب ثم حكم الإعدام.
وقبل يومين أصدرت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية بياناً حول اعتقال مئات المدنيين على أساس عرقي وجهوي، بعد اتهامهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع لمجرد انحدارهم من غرب السودان. وقالت المجموعة الحقوقية، إن “ما تسمى الخلية الأمنية في ولاية القضارف شرقي السودان ما زالت تواصل استهداف المدنيين على أسس عرقية، بإشراف قيادة الفرقة الثانية مشاة التابعة للجيش السوداني”، وفقا لبيان المجموعة.
إن ما يكمل فكرة الحرب الكيزانية هو استهداف كادر الحرية والتغيير، وحل لجان المقاومة، وقرارات مطاردة قادة تقدم قضائياً، واعتقال قادة شيوعيين في شندي، وكسلا، ومناطق متفرقة من البلاد، وتضييق مساحة نشطاء منظمات المجتمع المدني داخل البلاد، ومنع أي نشاط حزبي عبر الندوات السياسية، ومنع سودانيين معارضين للحرب من استخراج أوراقهم الثبوتية. ولا نعتقد أن الكيزان يفرقون بين التقدميين والجذريين فكلهم سينالون الجزاء المؤجل لإسقاطهم المشروع الحضاري الذي ضاع بانتفاض سلمي، وهذا هو لب القضية.
مهما ركز الكيزان طوال زمن الحرب على الحرق المعنوي لشخصيات تقدم فإنهم يدخرون معركتهم الآن مع الشيوعيين لوقت يتفرقون لهم بالكامل. ولا ننسى المحاولات السابقة لتلطيخ سمعة الحزب بواسطة الإسلاميين، وقتل كوادرهم حتى بضرب المسمار على الرأس، كما حدث الأمر مع الشهيد علي فضل، وتعذيب المئات منهم، والتحرش الجنسي بالرجال والنساء منهم في المعتقلات.
أما الاستهداف العرقي الذي نشط فيه الأمن تجاه أبناء دارفور وكردفان الأبرياء فهو جزء من إستراتيجية لقلب السودان بؤرةً للتناحر العرقي. ولعلها ذات استراتيجية الكيزان التي حطمها ثوار ديسمبر حين هتفوا ثائرين “كل البلد دارفور” فأسقطوا مؤامرة الزج بفصيل عبد الواحد لكونه هو الذي يقتل الثوار مثلما كذبوا. فإسلاميو المؤتمر الوطني يحترفون سلوكاً، وتفوهاً، العنصرية المقيتة التي هي أسوأ بما لا يقاس عما قاله المخلوع البشير في “حديث الغرباوية”. فالمؤتمر الوطني بخلاف أيدلوجيته فهو تنظيم قائم على العنصرية، ويتغذى بها، لتمرير أجندته التشطيرية الأميبية للمجموعات المخالفة لهم. وما إنتاجه فكرة المليشيات في دارفور إلا محاولة لإبادة حواضن الحركات المسلحة التي تقاتل بجانبه الآن نتيجة شراء ذمم قادتها، وشحنهم عرقياً بذات الطريقة التي استهدفوها سابقاً من قبل قوات الجنجويد.
أرى أن جميع القوى السياسية والمدنية التي وقعت على إعلان الحرية والتغيير – وبموجبه تمكن المدنيون من رمي المشروع الحضاري في الزبالة – بحاجة إلى معرفة عدو المشهد السياسي السوداني التاريخي، أو الفيروس السياسي الذي استوطن البلاد منذ الخمسينات ليفتتها جغرافياً، ومجتمعياً، وهكذا فصل جزءً عزيزاً من الوطن. فاعتقالات أمنجية الكيزان التي شملت التقدميين والجذريين دلالة واضحة على أن ثأراتهم شاملة تجاه كل من شارك في إسقاط تجربتهم التي استندت على أن السودان غنيمة حربهم. ولو تواتت لهم الفرصة السيطرة على البلاد مرةً ثانية فإنهم سيعلقون رموز الحركات المسلحة، والشيوعيين الذين كان لهم القدح المعلى إبان ثورة ديسمبر، في مشانق الخرطوم.
أمنجية الكيزان من ناحية أخرى يخطئون للمرة الألف إذا رأوا أن قتل وسحل أبناء غرب السودان، وقصف مدنهم، ومناطق سكنهم في الخرطوم – استجابةً لرغبة العنصريين من دعاة الحرب – سيكسبهم انتصاراً أكيداً في الحرب، وتصفير عدادها عرقياً حتى يتدمر السودان بعد أن خاب سعيهم للعودة للحكم.
فهذا السلاح مجرب من قبل، وعليهم أن يعلموا أن الفئة الغالبة من الجنود إنما هم من غرب السودان. وأشك أنهم سيستمرون في القتال طويلاً لصالح جيش الحركة الإسلامية العنصري إذا تواصل هذا الاستهداف العرقي لمناطقهم، وأهلهم. ولكنه عموماً هو ذا المؤتمر الوطني الذي ظل طوال فترة الإنقاذ يحترف سن سياسات لتشطير مكوناتنا السياسية والمدنية المركزية، ونهج إستراتيجيات عسكرية لإبادة مجتمعات بعينها، وتفتيت نسيجها الاجتماعي، وقصف شعوبها بالبراميل، واغتيال طلابها، وإبعاد مكونات عرقية محددة من الخدمة المدنية، والعسكرية، وتجفيف فرص حصولهم على الوظائف في القطاعين العام والخاص.
مهما تصاعدت الحرب فلا مستقبل البتة لنجاح سياسة المؤتمر الوطني الحربية لدق أسفين وسط مكوناتنا المدنية القومية، والمجتمعية. فالشعب السوداني أوعى في معرفة دور تياراتنا السياسية القومية في مقاومة الاستبداد. وفي ذات الوقت فالشعب الذي أسقط المشروع الحضاري عبر الثورة العظيمة أذكى من جره لتناحر عرقي يهدف إلى تفتيت وحدة أبناء وبنات السودان كليةً. وخاب من دساها.