سويسرا: أتندمل الجراح على صديد ؟؟!!
علي يس
أتمنى أن يكون التزامن المريب بين إعلان حزب المؤتمر الوطني المجرم (المحلول بموجب الوثيقة الدستورية التي مزقتها عناصره في الجيش بانقلاب ٢٥ أكتوبر) ، إعلانه الذي قرر فيه أنه يسعى إلى السلام عبر التفاوض ، و بين الإعلان الأمريكي عن منبر للتفاوض بين طرفي الصراع في السودان.. أتمنى يكون هذا التزامن بين الإعلانين مجرد مصادفة (الكثيرون يتوهمون أن الإدارة الأمريكية تتخذ موقف الخصم تجاه متأسلمي المؤتمر الوطني ، بينما الحقيقة البادية للعين المتأملة – منذ ثورة ديسمبر – هي أن الإدارة الأمريكية ، عبر مخابراتها ، تستثمر في “خوف” الكيزان ، عزلتهم ، نفاقهم ، و لا وطنيتهم ، و استعدادهم الدائم لبيع الأرض و العرض ، تستثمر في كل ذلك لتحقيق مصالحها مهما تعارضت مع مبادئها المعلنة.
رأينا ذلك عيانا يوم أن أرسلوا مبعوثهم الخاص للقاء البرهان ليلة انقلاب أكتوبر ، بالإشارة الخضراء ، ليشهد صباح اليوم التالي الإنقلاب على الحكومة المدنية (هم يعلمون تماماً أن الدكتور حمدوك و عناصر حكومته لا “يسمسرون” في الوطن و سيادته كما يفعل الكيزان و أذيالهم من قادة الجيش) ..
لندع أمر هذا التزامن لما سيكشفه الزمن.
و لنتساءل عما يمكن/ و ما ينبغي أن يتوافق عليه طرفا الحرب (تحت السوط الأمريكي)..
هل يمكن أن يتوافق الطرفان على مصالح الصحية الأكبر لهذه الحرب؟ أعني شعب هذا البلد الذي نال منه الموت و الدمار و النهب و الجوع و التشرد ؟؟؟..
لن يكون لأي اتفاق بين طرفي الحرب معنى ما لم يتوافقا أولا على إنصاف هذا الشعب ، الذي تخاض الحرب باسمه من قبل الطرفين (صحيح أن الناس يعرفون أي الطرفين الأصدق و أيهما الأكذب ، و لكن يجب أن ينكشف ذلك أيضاً للعالم من حولنا، و ذلك لن يتم إلا بتوافق الطرفين ، أو إلزامهما بقبول لجان تحقيق دولية ، رفيعة المستوى و القدرة )..
لن هذا الشعب الذبيح باتفاق بين الطرفين لا يجيب على أسئلته الجوهرية. و هي أسئلة لن يتمكن من الحصول على إجابات صادقة و دقيقة لها إلا من خلال لجان تحقيق دولية محايدة.
السؤال الأخطر ، و الذي توفر إجابته للشعب “هوية” الذي دمر حياته ، و الذي يحتاج إلى لجنة تحقيق دولية متفرغة فقط للإجابة عليه ، هو: من الذي أشعل هذه الحرب ، و اختار لها عاصمة البلاد الأكثر ازدحاماً ، ليصرع آلاف المدنيين في تبادل لإطلاق النار بين قوتين مسلحتين تتسللان في الشوارع و الأزقة ليصبح جميع السكان دروعا بشرية ؟؟!!
الذي أطلق الرصاصة الأولى في هذه الحرب هو من يتوجب عليه أن يدفع ثمن كل ما لحق بالمدنيين العزل..
يتوجب أيضاً أن تنفرد لجنة تحقيق دولية أخرى ببحث سؤال آخر مؤرق: من الذي أطلق السجناء من المجرمين و القتلة و اللصوص ، ليستثمروا فوضى الحرب في نهب البنوك و المؤسسات العامة و الخاصة و منازل المواطنين الذين نجوا من القصف تاركين منازلهم ؟؟.. و برغم أن مدير أهم و أعرق و أكبر سجون العاصمة السودانية ، سجن كوبر ، قد خرج ببيان خلال الأسبوع الأول من الحرب يقر فيه بأنه أطلق سراح جميع السجناء ، بدعوى أنه لا يستطيع حمايتهم ، بعد التشاور مع رأس الدولة (لم يسأله أحد ولا سأل البرهان: لماذا لم يتم نقل السجناء إلى إحدى الولايات الآمنة ؟؟!!) .. و لجنة التحقيق في سؤال إطلاق السجناء هذا مهمة ، برغم أن الجميع تقريباً يعرفون إجابة السؤال ، و لكن إثبات الإجابة من خلال لجنة تحقيق مخولة ، و بصياغة قانونية محكمة ، هو أمر ضروري و حيوي بالنسبة لشعوب السودان التي تضررت أيما ضرر بهجمات المجرمين المتزامنة مع الغياب الكامل لجميع عناصر الشرطة من كل أنحاء العاصمة.
و حتى لا يرجع القتل المجاني و الممنهج لأبناء و شباب هذه الأمة ، فإن الشعب السوداني كله ظل يبحث عمن يقول له: من الذي قتل و سحل و اغتصب الآلاف من المعتصمين العزل أمام القيادة العامة للجيش السوداني ؟ .. فشلت لجنة الأستاذ نبيل أديب في الإجابة على هذا السؤال ، مع أن الدليل الظرفي الأعظم يشير إلى قيادة الجيش ، مصحوباً باعتراف ضمني لأحد قيادات الجيش ، و لكن تصريح القائد الأعلى للجيش، بعد مضي أربع سنين على المذبحة ، الذي اتهم فيه قوات الدعم السريع بارتكابها ، ربما يربك المشهد ، على الأقل بالنسبة إلى المجتمع الدولي ، و لهذا ، لن يذوق هذا الشعب الجريح طعما للنوم ما لم يعرف يقيناً ، و من خلال لجنة تحقيق دولية محايدة و قادرة ، من الذي قتل و سحل أبناءه ثم رمى بجثثهم في النيل ؟؟!!..
لن تنتهي الحرب ، حتى و إن اتفق البرهان و حميدتي على إنهائها ، ما لم يتوافق الطرفان على طلب لجان تحقيق دولية تجيب بوضوح و بدقة ، على الأسئلة الثلاثة أعلاه..