مواصلات الخرطوم.. أزمة متجددة
مواطنون: أصبحنا تحت رحمة أصحاب المركبات (الشغالين بمزاجهم)
نقابة الحافلات: الفراغ الدستوري خلق فوضى تصعب السيطرة عليها
طه عثمان: التعرفة غير المجزية دفعت السائقين لتجزئة الخطوط
خبراء: دعم الوقود وفتح باب استيراد “الإسبيرات” المستعملة من أنجع الحلول
تحقيق : منى – أم بلة
كانت ولا تزال أزمة المواصلات من أكثر الإشكالات التي تواجه سكان العاصمة الخرطوم, إذ اصبح المواطن يهدر جل وقته في انتظار وسيلة تقله لمكان عمله.
وبحسب خبراء، فإن الأزمة تعود لسياسة الدولة خلال السنوات الماضية التي اتجهت لرفع الدعم عن المحروقات التي كانت بمثابة الشرارة الأولى للأزمة، ومؤخراً تشهد ولاية الخرطوم أزمة كبيرة في المواصلات قادتها إلى الاستعانة بمركبات القوات النظامية لنقل الركاب. فهل يمكن أن تسهم هذه الخطوة في تخفيف الأزمة؟ وما هي الحلول الجذرية؟ والعديد من التساؤلات التي طرحتها الصيحة لإيجاد غجابات شافية لها مع أهل الاختصاص.
جذور الأزمة:
من الأسباب الرئيسة وراء الأزمة والتي تعد شرارة الانطلاق لها بحسب خبراء سياسات العهد البائد التي انتهجها لمعالجة الأزمة الاقتصادية، حيث عمل على رفع الدعم عن الوقود في المرحلة الأولى، الأمر الذي دفع أصحاب المركبات للمطالبة برفع التعرفة لمقابلة تكاليف مدخلات التشغيل لتتضاعف الأزمة مرة أخرى بعد أن منعت الجهات المختصة استيراد الإسبيرات المستعملة التي تباع بأسعار أقل مما أدى إلى خروج العديد من أصحاب المركبات العامة من سوق العمل نسبة لارتفاع تكلفة التشغيل مقارنة بالتعرفة التي يرون أنها ضعيفة، الأمر الذي جعل الحكومة ترضخ لمطالب أصحاب الحافلات والبصات وزيادة تعرفة الموصلات الداخلية والسفرية.
وكان لاتجاه الحكومة في العهد البائد للاستثمار في مجال المواصلات داخل ولاية الخرطوم أثر سالب بعد أن قررت الدخول في هذا المجال واستيراد أعداد كبيرة من البصات والتي كانت تعمل بتعرفة أقل من بقية المركبات العامة, مما انعكس بصورة سالبة على أصحاب الحافلات والمركبات الصغيرة, والتي خرجت عن سوق العمل نتيجة ارتفاع تكلفة التشغيل وضعف الإيراد اليومي, هذا الأمر أحدث فجوة في المواصلات العامة بالولاية، ففشلت شركة المواصلات في تغطيتها، كما أنها فشلت في الاستمرار نتيجة لدخول تلك البصات دون المواصفات المطلوبة، وبدأت علامة الشيخوخة المبكرة تظهر عليها فضلاً عن المشكلات في عمليات الصيانة لتلك البصات، الأمر الذي جعل المئات منها يقف داخل الميادين والورش المخصصة لها دون أن تكون هناك معالجات لتلك الأعطال، حيث كان السبب الرئيسي عدم إلزام الولاية للشركات الموردة لتلك البصات بتوفير الاسبيرات الخاصة بها فاتجهت الشركة الى استيرادها من الخارج، الأمر الذي يعد مكلفًا بالنسبة لها، كما أنها لم تكن تضع ذلك في الحسبان, إلى جانب ذلك، كانت تلك البصات لا تعمل بعد العاشرة مساء مما اعتبره المواطنون تقصيراً واضحاً في حل الضائقة خاصة في أوقات الذروة.
فوضى:
عدد من المواطنين أرجعوا الأزمة لعدم وجود تنظيم ومراقبة للخطوط وبحسب حديث المواطن هشام محمد، فإن أصحاب المركبات يعملون بحسب أمزجتهم ويميلون إلى الخطوط الطويلة نسبة إلى ارتفاع تعرفتها إلى جانب (طلوع ونزول) الركاب طول الخط مما يعد دخلاً إضافياً بالنسبة لهم, بالإضافة إلى عدم وجود رقابة على أصحاب المركبات من قبل غرف النقل داخل الولاية، مستشهداً بوجود عدد كبير من المركبات داخل المواقف دون أن تعمل على نقل المواطنين في ظل غياب جهة مسئولة تفرض عليهم نقلهم او فرض عقوبات رادعة عليهم في حالة مخالفة أوامر تلك الجهات، الأمر الذي انعكس بصورة سالبة على عملية نقل الركاب، حيث ابتدع أصحاب المركبات تجزئة الخطوط بعد وصول المواطن مرحلة من اليأس والإحباط في انتظار وسيلة تقله مما يضاعف التعرفة على المواطن .
مشكلة اسبيرات:
أصحاب المركبات بدورهم كانت لهم مبرراتهم التي قادتهم لتجزئة الخطوط وزيادة التعرفة، مشيرين إلى أن أزمة المواصلات سببها الأساسي ارتفاع تكلفة الأسبيرات التي تضاعفت بنسبة فاقت 100% مؤخراً، وقال السائق محمد عيسى إن تغيير الزيت أصبح يكلف أكثر من(2) ألف جنيه أسبوعياً بعد أن كانت تكلفته لا تتجاوز (500) جنيه, فضلاً عن ارتفاع أسعار الإطارات وغيرها من الاسبيرات، وشدد على ضرورة وضع حلول ناجعة لتلك المشكلة إذا أرادت الدولة أن توفر العناء على المواطن، نافيًا أن يكون الوقود هو السبب في أزمة المواصلات.
فيما اتفق معه في الحديث يوسف سعيد / سائق حول ارتفاع تكلفة الإسبيرات، مضيفاً أن الوقود يعد سبباً في الأزمة الحالية كاشفًا عن اصطفاف أصحاب المركبات ساعات طويلة أمام محطات الوقود قد تصل المدة الزمنية لنصف اليوم، الأمر الذي يمكن أن يسهم في خلق فجوة في عدد المركبات العاملة في الخطوط مقارنة بعدد المواطنين، لافتاً لوجود بعض ضعاف النفوس الذين يقومون ببيع الوقود في السوق السوداء واصفاً العملية بالمربحة أفضل من عملية نقل الركاب, وأرجع ذلك السلوك لعدم وجود طرق سالكة للعمل، وبالتالي إهدار الوقود والوقت بين جحيم الانتظار والازدحام.
حلول مؤقتة:
عدد من الخبراء وضعوا الحلول للخروج من الأزمة، وقالوا “للصيحة”: على الدولة ضرورة دعم الوقود خاصة في المرحلة الأولى حتى نصل لمرحلة التعافي الاقتصادي، إلى جانب فتح باب الاستيراد للاسبيرات المستعملة والتي لها دور ملموس في تقليل التكلفة التشغيلية على المواطن البسيط، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية والجمارك في هذا المجال للعمل علي خفض تكلفتها، الأمر الذي سوف ينعكس على انفراج تلك الأزمة التي ظلت تؤرق المواطن خلال السنوات الماضية دون وجود علاج ملموس، بجانب الاهتمام بالطرق التى لم تشهد أي معالجات منذ سنوات طوال العهد البائد، وكانت تشيد بطرق غير مطابقة للمواصفات وهي واحدة من الأسباب الرئيسية في تعطل المركبات خاصة في موسم الخريف .
تكلفة التشغيل
نقابة الحافلات ببحري أقرت بوجود أزمة حقيقية في المواصلات وصفتها بالمتجددة أرجعتها إلى الفراغ الدستوري بالبلاد الذي خلق نوعاً من الفوضى لدى ضعاف النفوس، وقال طه عثمان في حديثه إن أزمة الوقود تعد السبب الرئيسي وراء قضية المواصلات إضافة إلى غلاء مدخلات التشغيل من إسبيرات وغيرها، وقال إن جشع التجار لعب دوراً كبيراً في تصاعد الأزمة من خلال ارتفاع الأسعار بصورة مضطردة حيث وصل سعر جالون الزيت لـ(1.50) جنيه بدلاً من (45) والإطار (13) ألفاً بدلاً من (800) جنيه، والماكينة (1.20) جنيه بدلاً عن (5) آلاف بجانب رداءة الطرق بسبب الخريف أسهمت في خروج العديد من المركبات عن العمل، مشيراً إلى أن ظاهرة تجزئة الخطوط ترجع لضعفها كونها غير مجزية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة ومحدوديتها في سوق حر.
ويرى طه أن المعالجة تكمن في عقد ورشة تضم كل الاختصاصيين لوضع الحلول المناسبة اقترح أن تعمل الدولة على دعم المواصلات أو تطوير السوق، نافياً أن تكون الرقابة سبباً في الأزمة، مضيفاً أن إلزامهم أصحاب المركبات بالتعرفة قاد البعض إلى التهرب من المواقف والعمل من خارجها كاشفاً عن الاستعانة بمركبات تتبع للقوات النظامية لحل الضائقة تعمل في الفترات المسائية لنقل المواطنين مجاناً في ولاية الخرطوم يصل عددها لما يقارب (115) بصاً أسهمت إلى حد ما في حل المشكلة.