مفوضية حقوق الإنسان ونصوص الوثيقة
تقرير: النذير دفع الله
ما زالت وضعية المفوضية القومية لحقوق الإنسان تُعاني الأمرين في السودان، إذ واجهتها تيارات المُؤسّسات والمنظمات المُناهضة للنظام السابق من جانب، وتعنُّت الحكومة والنظام من ناحية تقديم الدعم المادي والتعاون الكامل من جانب آخر.
وحسب مبادي باريس، إذ يتعين أن تكون مفوضيات حقوق الإنسان ذات استقلالية كاملة دُون تبعيتها لأية جهة وحتى تتوفّر هذه الاستقلالية يجب أن يتم تعيين رئيس المفوضية وأعضائها من أعلى سُلطة في الدولة، وهُنا يمثل المجلس السيادي السُّلطة العُليا في الدولة، ولكن حسب الوثيقة الدستورية الانتقالية التي نَصّت أن يتم إنشاء وتعيين رؤساء وأعضاء المفوضيات لرئاسة مجلس الوزراء، فإنّ هذه المادة لا يجب أن تشمل مفوضية حقوق الإنسان التي يتم تقييم أدائها ومُراقبتها بواسطة مؤسسات إقليمية ودولية عكس بقية المفوضيات الأخرى، لذلك فإن تعيين رئيس المفوضية وأعضائها من جانب مجلس الوزراء يقدح في استقلالية المفوضية، وبالتالي تأثير هذا الأمر على ملف حقوق الإنسان في السودان.
أستاذ القانون بجامعة النيلين والمحامي فضل الله العطا بابكر، قال انّ الوثيقة الدستورية حوت خطأً كبيراً فيما يختص بتعيين المفوضيات، إذ حوت المادة 39/1 على أن تنشأ مفوضيات مُستقلة ويُرشح لها شخصيات ذات كفاءة، وأشار فضل الله الى أنه حسب الوثيقة المُتداولة عبر الأسافير لم تتوفّر لنا الوثيقة الرسمية من قِبل الدولة وهي من تحدد الوثيقة ومن تقوم بالترشيح، إذ أوضحت ذات المادة من الفقرة 3 نصت على أن تعيين مجلس السيادة للمفوضيات الآتية، منها مفوضية السلام ومفوضية الحدود وصناعة الدستور والمؤتمر الدستوري، وأخيراً مفوضية الانتخابات، وأكد فضل الله أن المادة 39/3 نصّت سلطة المفوضيات وخصّصت لمجلس السيادة، ولكن بالرجوع الى المادة 12 من الوثيقة الدستورية التي حددت اختصاصات مجلس السيادة وسلطاته لم نجد أن سلطة التعيين من اختصاصات المادة 12، عليه فإن هذا النص يُشكِّل إشكالية مع قراءة ذات النص في الفقرة 4 الذي يقول: يعين مجلس الوزراء أعضاء المفوضيات السابقة، فيما نصت المادة (ج) مفوضية حقوق الإنسان في الفقرة 39/4 مقروءة مع المادة 16/5 حول اختصاصات وسُلطات مجلس الوزراء في تَشكيل المُفوضيات المُستقلة لاحكام الفصل الثالث عشر، وبالتالي المادة 16/5 خَوّلت تشكيل كل المفوضيات في الفصل 12 لمجلس الوزراء، وشدد فضل الله أن هذه النصوص معيبة وتتناقض مع بعضها البعض وتمثل قصوراً ونقصاً وهي أحد مسالب الوثيقة الدستورية، وأضاف فضل الله أنّ هذه النصوص تمثل مشكلة كبيرة في استقلالية المفوضية القومية لحقوق الإنسان للإيفاء بالتزاماتها الدولية، تتعلق بحقوق تقع على عاتق الدولة. وقال فضل الله إنّ المادة (8) في الوثيقة ألزمت أجهزة الدولة في الفترة الانتقالية بإنفاذ المهام الآتية في الفقرة (5) التي تنص على الإصلاح القانوني، وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان استقلالية القضاء وسيادة القانون، وطالما أن مهمة الدولة إجراء إصلاح قانوني، فيمكننا الخروج من هذا النفق المُظلم، حيث تتّسم الوثيقة الدستورية بالمُرُونة ويُمكن تعديلها وفقاً للنُّصوص للفقرة (5) مِنَ المَادة (8) حتى تستوفي الشروط الدولية في تشكيل مفوضية حُقُوق الإنسان.
فيما تنص المادة 68: لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي، ولكن حتى اللحظة لا يوجد مجلس تشريعي، عليه خولت سلطات المجلس التشريعي لأعضاء مجلس السيادة والوزراء معاً يمارسان اجتماعا مُشتركا ويتّخذ قراراته بالتوافُق أغلبية الأعضاء، وطالب فضل الله بمُعالجة الإشكالية الدستورية بمُناشدة الشركاء من المجلس الاستشاري ووزارة العدل ومُنظّمات المجتمع المدني في كتابة مذكرة تُطالب بتعديل الوثيقة بما يضمن استقلالية مفوضية حقوق الإنسان وفق مبادئ باريس.
المُفوّض بمفوضية حقوق الإنسان بشير محمد بشير، قال إنّ الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية قد أغفلت الكثير من الجوانب المُتعلِّقة بالمفوضية القومية لحقوق الإنسان، سيما تبعية المفوضية لمجلس الوزراء وهو خطأ كبيرٌ يُمكن أن يكلف المفوضية ومن ثَمّ الدولة السودانية كثيراً فيما يتعلق باستقلالية المفوضية، التي يجب أن يكون تعيين رئيسها والمفوّضين من أكبر سلطة في البلد وهي المجلس السيادي وهو ما لم يرد في الوثيقة الدستورية، وشدد بشير الى أننا كمفوضين إذا تم هذا الإجراء وآلت المفوضية القومية في تبعيتها لرئاسة مجلس الوزراء من ناحية التعيين والإعفاء، فإنّهم سيتقدمون باستقالاتهم جميعاً.
ومن جانب آخر، أكد مفوّض المفوضية السابق، عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان كمال الدندراوي أن ما جاءت به الوثيقة الدستورية حول تبعية المفوضيات الأربع لرئاسة مجلس الوزراء في تعيين رؤساء تلك المفوضيات يعتبر خطأً كبيراً يقدح في استقلالية المفوضية أمام مجلس حقوق الإنسان والمُؤسّسات الدولية، مِمّا يُقلِّل من أدائها وفعالياتها في تكوينها حسب مَا نَصّت عليه مبادئ باريس، وشدد الدندراوي أنه إذا تمت هذه الخطوة فإنها تعتبر خطوة كارثية تؤكد على عدم استقلالية المفوضية، وبالتالي عدم الاعتراف بها في آليات حقوق الإنسان الدولية وهو ما يؤدي لعدم اعتماد تقاريرها التي تقدِّمها عن حالة حقوق الإنسان، وأشار الدندراوي الى ان السودان مُقبلٌ خلال شهر سبتمبر إلى تقديم تقريره للخبير المستقل، وما يجب تناوله هو أنّ التغيير الذي حدث مؤخراً جراء الثورة في السودان لصالح حقوق الإنسان وليس العكس، موضحاً أنه في العهد الماضي والسابق كان يتم تعيين رئيس المفوضية وأعضائها حسب الدستور مِن قِبل رئيس الجمهورية وهو وضعٌ أفضلٌ، ولكن الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية قَلّلَت من وضعية المفوضية القومية لحقوق الإنسان في تبعية تعيينها لمجلس الوزراء، وهو ما يُؤثِّر على السودان كثيراً مُقارنةً بعدة دول قامت بتعيين مفوضياتها بواسطة مجلس الوزراء لم يتم اعتمادها كمفوضيات مستقلة، وكشف الدندراوي أنّ المفوضية القومية لحُقُوق الإنسان تختلف عن سائر المُفوضيات التي أُوكل أمر تعيينها لمجلس الوزراء، إذ أنّ مفوضية حقوق الإنسان تقوم بتصنيفها وتقييم أدائها، مؤسسات دولية وإقليمية، أما بقية المفوضيات فلا رقابة عليها من جانب مؤسسات دولية وإقليمية حول أدائها وتقييمها، وطالب الدندراوي بضرورة مُراجعة الخطوة قبل تعيين مجلس الوزراء، سيما أن الخطوة إذا تمّت فإنها سَتُكلِّف الدولة كثيراً فيما يَتَعَلّق بجانب حُقُوق الإنسان.