“الدعم السريع”.. أمل التغيير القادم
نجم الدين دريسة
ثمة حاجات مُلحة تستدعي التغيير الحقيقي والراسخ لأن الحالة السودانية وصلت مرحلة من التعقيدات تستحيل معها عملية الاستمرار على ما هي عليه لأن كل المشاريع والأفكار والأطروحات التأريخية التي تم انتاجها ظلت تفتقر للشمول والإحاطة، علاوة على حالة قصر النظر وضعف الأبنية الفكرية والمفاهيمية والوطنية التي تخلقت فيها.. وبالتالي هنالك حاجة ماسة جداً لتخلق مشروع تغيير مغاير ومناقض تماماً لكل المشروعات التي ظلت قائمة بما في ذلك مشروع الاستقلال نفسه لأنه نخبوي والعمل الجاد على إعادة بناء وتأسيس الدولة السودانية على اُسس جديدة ومفاهيم حداثوية تنقلنا من هذا الواقع المُذري والكئيب والغيهب الي عالم تسوده قيم الحكم الراشد القائم على التحول الديمقراطي المفضي إلي المشاركة الوطنية الشاملة وإرساء دعائم حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون والقسمة العادلة للسلطة والثروة وفقا لمعايير تحقق العدالة الاجتماعية في توزيع وتكافؤ الفرص وتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة وتحقيق تطلعات واشواق الشعب السوداني في الحرية والسلام واحترام التنوع والتعدد الثقافي مشروع يتجاوز الصفوية والمجموعات الصغيرة الي حالة من التوافق الجماعي وفقا لعمل منظم يخدم الأهداف الكُلية للمشروع المدني القادر على توظيف الموارد والثروات وبناء دولة رائدة على حجز موقع مميز بين خارطة الشعوب والأمم وقادرة على الإسهام الفاعل في قضايا السلم والتعاون الدوليين.
المؤسف جداً أن هنالك مجموعات بعينها ظلت لما يقارب السبعة عقود من الزمان تستأثر بالثروات وتحتكر والقرار السياسي دون تتاح فرص لمجموعات وقوميات ظلت على الرصيف تعيش على هامش الحياة.. وما جعل الأزمة أكثر تعقيدا هو تراكم الظلم خاصة وأن كل مشاريع السودان القديمة أدمنت الفشل وقادته الي طريق مسدود ونفق مظلم.. بالإضافة الي المقاومة المستمرة للنظام السياسي القديم للهبات والثورات الشعبية.. وبالتالي ظلت كل الانتفاضات تتحطم أمام قوى الردة وعلى رأسها جيش ونجت باشا الذي سام الشعب السوداني كل أنواع العذاب وظل يصادر حقهم في الحكم … مما خلق واقعاً معقدا خاصة بعد انقلاب الجبهة الإسلامية المشؤوم في 30 يونيو 1989م الذي عمق من الأزمة السياسية وقسم السودان طولاً وعرضاً وخلق واقع مأساوي وسياسات قادت لانفصال الجنوب واختطفت كل المؤسسات المدنية والعسكرية.
إن التغيير الحقيقي بدأ مع الحرب التي اشعلتها جماعات الهوس الديني بهدف إجهاض ثورة الشعب، ولكن هذه المرة تصدت لها قوات الدعم السريع فعطلت ماكينة العنف التاريخية وأحدثت خلخلة في البناء السياسي القديم جعل الطريق سالكاً لولادة جديدة للسودان في مهد حقوق الانسان المستدامة لا سيما وأن هذه القوات التقطت القفار كقوات تحرر وطني انحازت لقضايا الشعب السوداني من أجل التغيير.. والتغيير يبدو هذه المرة مختلف لأنه يمثل حواضن اجتماعية عريضة وقائم على أسس تعالج كل الاخفاقات التاريخية وتبني منصة متينة للانعتاق من أمراض الماضي والهجرة نحو مستقبل يحقق آمال الشعب السوداني.