الحركات وقصة رفض بيان القاهرة..
أبو عبيدة برغوث
يا صديقي وأنا أجلس هنا وعبق البخور الصوفي يغطي المكان في حضرة الطيبين الصالحين.. ومازلت أيضاً أستمع لصوت هطول المطر وأنغام الموسيقى في ليلها المغطى بضجيج الحب والانتماء إلى أرض البركات ونشأة الديانات السماوية.
هنا وضعت العصا وأنخت حروف الكتابة وتركت نفسي للتأمل لتفتتن بالأفق الماثل أمامنا عند بزوغ الفجر ورست ذاكرتي عند زبد النيل القديم، وعدت إلى حيث أن الموت هو مولد جديد في الزمان عنده تعود قوافل الأموات إلى الديار ،،، فادركت حينها يا صديقي إنني أنتمي إلى حيث غروب الشمس وشفقها،،، وهناك كانت بداية الحروب المدمرة التي كانت سلسلة للفواجع منذ عام 2003م حيث مات ونزح وتهجر الناس فيها، حصدت تلك الحرب باسم المظالم وباسم التحرير وباسم العدالة أكثر من 300 ألف مواطن وشردت أكثر من 2 مليون شخص مقسمين ما بين معسكرات النزوح المتناثرة في الداخل ومعسكرات اللجوء في دول الجوار، وهى ذات الحرب التي دفعت الضمير الإنساني العالمي أن يتخذ في شأنها قرارات أصدرت من خلالها المحكمة الجنائية الدولية مذكرات بتوقيف رمز الطغاة ورأس الاستبداد المخلوع عمر البشير وآخرون مازالوا فاعلين في هذه الحرب التي اندلعت بتخطيط منهم في 15 ابريل 2023م يمارسون فيها نهجهم القديم في القتل والتمثيل بجثث الضحايا واشعال الفتن بين القبائل من خلال تقسيم الناس وتجريدهم من سودانيتهم وهو ما دفع السودانيين الى الوحدة فيما بينهم لكسر بندقيتهم التي ظلت مصوبة إلى صدر السكان في أقاليم بلادنا المختلفة.
ولكن يا صديقي إن الذين تسببوا في موت الضحايا من الحركات المسلحة تخلوا عنهم ولم يقفوا لإنصافهم بل ظلوا يعملوا على دفن مطالب العدالة تحت تراب العدم من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة والتي فضحتها بكاء أطفال المعسكرات وأنين النازحين واللاجئين وحسرات النساء في معسكرات “كلمة والحصاحيصا وأبو شوك والجنينة” وغيرها، واتضح موقفهم هذا من خلال مؤتمر القاهرة الذى رفضوا فيه التوقيع على البيان الختامي بحجة أنه لم يُدين الدعم السريع، في الوقت الذي رفضوا فيه أن يكتب أي نص يدين جلادهم من قوات الجيش الذي قتل الآلاف من المواطنين عبر براميله المتفجرة الحارقة.
أنا هنا يا صديقي لست مندهشاً فهؤلاء عندما وقعوا اتفاقية جوبا فرض نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو ضرورة تسليم وتقديم المتهمين في حريق دارفور إلى العدالة أو تسليمهم إلى المحكمة الجنائية فرفض جبريل ومناوي وتماطلوا بل أخشى أن هؤلاء المطلوبين للمحكمة الجنائية تحت حماية قواتهم.
إذن يا صديقي أنا هنا استحضر جملة قلتها أنت في سياق تعليقاتك حول تصريحات سناء حمد للجزيرة أمس الأول حيث قلت لي: إن الحركة الإسلامية لن تذهب إلى السلام إلا عندما تتأكد أن طريق النصر أمامها أصبح مستحيلا، وهذا ما حدث الآن خاصة أن قوات الدعم السريع تتقدم بصورة كبيرة في كافة المحاور وهي مرحلة تشير إلى السقوط الكبير.
لذا اعتقد أن هناك من يحاول حماية الذين ارتكبوا جرائم بحق السكان في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان، وأما رفض جبريل ومناوي وعقار التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر القاهرة فهي في تقديري محاولة بائسة للفت الأنظار إليهم وبأنهم حاضرين في المشهد، ويجب أن تشملهم أي تسوية قادمة، وإن كانت حقائق القوة في الأرض هي التي تكتب نصوص الاتفاق القادم وبالتالي المستقبل القادم.