الجميلة والوحش..هل يلتقيان؟
بدون زعل
عبد الحفيظ مريود
الجميلة والوحش..هل يلتقيان؟
لو كنتُ ضابطاً عظيماً، ضمن من استجوبتهم السيدة سناء حمد، السفيرة ووزيرة الدّولة بالإعلام، سابقاً، لاعترفتُ. لو كنتُ، مثلاً، صلاح قوش، جلال الشيخ، أو إبنعوف شخصيّاً، لفعلتُ ذلك. كنتُ سأعترف.. و(سأعترف.. بجميع أخطائي، وما اقترفَ الفؤادُ من الأماني)، كما يقولُ محمود درويش. سناء، وقتئذٍ، كانت مبعوثةً من الحركة الإسلاميّة لتقصّى الحقائق حول “عزل المشير البشير”. وهي مهمّةٌ رسميّة. لكنَّ كثيرون رأوا أنَّ سناء حمد لا تمثّلُ إلّا نفسها. أو – في أحسن الأحوال – تمثَّل طائفةً محدودةً من الحركة الإسلاميّة. النفىّ المستميتُ ذاك، كانت مهمّته أنْ يقول إنّه لا سلطةَ للحركة الإسلاميّة على قيادة الأجهزة الأمنيّة. وأكبرُ دليلٍ على ذلك هو أنَّ قيادات الأجهزة الأمنيّة قرّرتْ عزل البشير دون الرّجوع إلى “الحركة الإسلاميّة”. لو كانوا يأتمرون بأمرها، لما أقدموا على فعل ذلك، دون رجوعٍ إليها. إذنْ.. لماذا ذهبتْ سناء حمد، ولماذا قابلوها، ولماذا أجابوا على أسئلتها، شفاهةً أو كتابةً؟ يستبطنُ االقيامُ بالإجابة على أسئلة سناء حمد، سلطةً، اعترافاً، خضوعاً للحركة الإسلاميّة. والتّحقيق نفسه، لم يكنْ إلّا لأنَّ قادة الأجهزة الأمنيّة “خالفوا” أوامر مستديمةً، وتصرّفوا حسب “تقدير الموقف”، دون “مشورة” حركيّة.
شايف كيف؟
لم تكدْ ضوضاء المتناولين تخفت، عقبَ كشف سناء حمد عن “تحقيقاتها” للطاهر حسن التّوم، حتّى عادتْ سناء إلى الأضواء، مرةً أخرى بحديثها إلى قناة الجزيرة، الذي أوضحتْ فيه إمكانيّة جلوس الحركة الإسلاميّة مع الدّعم السّريع، إنْ جنح للسّلم. مستبعدةً جلوسها – الحركة الإسلاميّة، لا سناء، بالطّبع – مع تقدّم. لأنَّ “جرم تقدّم”، أثقل في “ميزان الحركة الإسلاميّة” من “جرم الدّعم السّريع”.
بالطّبع، أردفتْ سناء بأنَّ ذلك رأيها، لا رأى الحركة الإسلاميّة. وانبرى جماعةٌ من الحركة الإسلاميّة يؤكّدون أنَّ ذلك رأى شخصىٌّ. كاتب صحفىٌّ إسلامىّ ذهب إلى أنَّ سناء حمد كانت ضعيفةً، وأنَّ أحمد طه، مذيع الجزيرة “ضقّل بيها”. منهياً مداخلته بأنَّ (مَنْ يُنشّأ في الحِليَة، فهو في الخِصام غيرُ مُبين).
شايف كيف؟
ما الجديد في المشهد؟
الجديدُ هو انَّ (الأشرار وحدهم، لا يغنّون)، كما يقول المثلُ الغجرىّ. بدأتِ الحركةُ الإسلاميّة في الغناء. صوتها متحشرج، غليظ، مرتجف. لكنّها تغنّى. وحين تشرعُ في الغناء – عادةً – تلتمسُ تُكأةً فقهيّة. ذلك أنَّ الفقهَ عندها مجرّد حيلٍ براغماتيّة، توصلُها إلى ما تريد. رجعةً سريعةً إلى تأريخها، تكشف لك ذلك. مواقفها “مرنةٌ” منذ اللحظة الأولى. لكنّها تخفى ذلك بالكثير من المساحيق الخشنة، تقطيبة الوجه، صرامة مؤقتة…لكنّها “سترضى”، بعد قليل.
والجنوح للسلم، الذي قعّدته السيدةُ سناء، كأحد الأوامر المستديمة، يعمل على طمس آثار الحركة الإسلاميّة، وتخطّيها لحزمة من الأوامر المستديمة، ومن بينها (لا تعتدوا). أعجبتها “كثرتها”، فشنّتْ حرباً للقضاء على الدّعم السّريع والحريّة والتغيير، بحجرٍ واحد.. ومحو ما يُسمّى بـ “ثورة ديسمبر” من تأريخ السّودان، والعودة مرةً أخرى لإقامة دولة الله في الأرض. لكنَ ماجريات الحرب وضعت الحركة الإسلاميّة أمام حساباتٍ جديدة. وجدت أنَّ كلَّ ما كان في صالحها، انقلب ضدَّها. وأوّل ذلك (الرأي العام الدّاخلىّ). ذلك أنَّ “العدو” هذه المرّة، قريبٌ جدّاً، معقّدٌ جدّاً، متعدّد المشارب، ذو علاقاتٍ وطيدة مع دول عديدة، فضلاً عن حساباتٍ خاطئة للحركة الإسلاميّة فيما يتعلّق بقدراته القتاليّة.
إقليميّاً ودوليّاً، لا تجدُ الحركة الإسلاميّة نصيراً غلّاباً. إيران لن تستطيعُ أنْ تحضر لك كلَّ يوم سمكةً لتفطر بها.. يمكنها أنْ تعلّمك، تطعمك يومين تلاتة، بعد ذلك عليك أنْ تجدَ فطورَك بنفسك.. وتركيا ليست في وضعٍ يشجّعها لخوض الوحل الذي أنتَ فيه..
وهكذا..
شايف كيف؟
سناء حمد ليستْ نشازاً. لا تعبّرُ عن رأيها الشخصىّ. فهي ضمن كادر اسلامىّ لا يعير “الشخصنة” اهتماماً. يمعني أنّها ليست واحدةً من كوادر الحركة الإسلاميّة (الخفيفات، اللفيفات، الطامعات في الظهور، المبديات من الدّلال غرائبا). ولذلك فإنَّ ما تقوله يجب أنْ يؤخذ بالجدّية اللازمة.
ستكشف الأيّام القادمة ما إذا كانت تقول رأياً شخصيّاً أم تنقلُ رأي “الجماعة”.
لكنَّ السؤال هنا: هل يقبلُ الوحش بالجلوس مع الجميلة، إنْ جنحتْ للسّلم؟
الله أعلم.