لماذا القاهرة من الأساس
لطالما أن منبر جدة هو مفتاح الحل؟
نجم الدين دريسة
لن نمل من ترداد أن الجارة التي تفوق سوء الظن العريض غيرة مؤهلة أخلاقياً لتدخل وسيط في أي تسوية سياسية لأن سجلها ملئ بالخيبات والمخازي في التعاطي مع السودان وتاريخها كله ظلم وانتهاكات وسيطرة، وتحكم واستغلال واستغفال.
مؤتمر القاهرة ما هو إلا إخراج فطير ومهترئ نظمته المخابرات المصرية عبر عملائها وجمعت له عناصر السواد الأعظم منها من فلول النظام السابق وستظل القاهرة تحصد الفشل في تسويق وتمرير أجندتها للإبقاء على حليفها التاريخي والاستراتيجي الجيش الذي ظل هو مخلب قط للتدخل المصري في الشأن السوداني والاستغلال البشع للموارد والاتفاقيات الجائرة لمياه النيل واحتلال واغتصاب أراضي السودان في حلايب وشلاتين وابورماد..
هي ذات مصر التي أقامت السد على حساب تهجير أهل حلفا واحالت وادي حلفا إلى خراب ودمار حيث طمرت المياه حتى آثار الحضارة.. مصر التي ظلت تدعم الانقلابات العسكرية وتقف ضد الثورات الشعبية.. ومحاولاتها المتكررة في إقحام السودان في صراعها مع اثيوبيا بسبب قيام سد النهضة، فبالرغم من الفوائد الجمة التي يجنيها السودان إلا أن مصر تصر على ربط السودان بموقفها من السد لأنها لا تزال تنظر إلى السودان باعتباره حديقة خلفية ملحقة بمصر ولكن تبدو أنها غافلة تماماً عن أنها لم تعد تلك الدولة ذات الأنياب والأظافر لتمارس أي نوع من التهديد ولم يعد التعامل القديم يجدي فتيلاً وعلى مصر ان ترعوي لأن قوات التحرر الوطني التي ملأت الافاق ليست كجيش (ونجت) الذي ظلت تمتطيه مصر طوال العهود السابقة.
يبدو أن هذه الحرب ستبخر أحلامهم في السيطرة والهيمنة على السودان، وأن كل محاولاتهم في استمرار الدور التاريخي لم ولن تعد ممكنة.. وهذه الأزمة كشفت للشعب مواقف الدول الصديقة فمنذ عمليات الاجلاء التي صاحبت الأيام الأولى للحرب تأكد لنا وبما لا يدع مجالا للشك أن المملكة العربية السعودية تعد من الشركاء المؤتمنين والمتفردين والموثوق بهم مقارنة بمصر الفرعونية التي ظلت تتعامل بفهلوة واضحة حتى في المواقف الإنسانية فما ظل يواجهه السودانيين من سوء معاملة رغم ظروف الحرب كشفت عن الوجه القبيح لمصر الرسمية .. ولكن كان بالمقابل الدور السعودي حاضراً بقوة من خلال جهودها الإنسانية والعون الذي ظلت تقدمه للسودان بلا من ولا أذي وكثير جداً من العطاء الذي لا تخطئه عين فالمملكة باحتضانها لمنبر جدة والذي يعد اختراقاً مهماً يضاف إلى جهودها المتعاظمة في الوقوف مع السودان في أزمته والرغبة الأكيدة لها في إيجاد حل للصراع في السودان والوصول إلى تسوية سياسية تضع حداً للحرب وتحقق السلام والاستقرار… وهذا ما يجعل منبر جدة هو الأكثر أهمية والأكثر قدرة على تحقيق تطلعات الشعب السوداني في بناء مشروع وطني متفق ومتراضي عليه.
المبادرة السعودية الأمريكية هي الأكثر حياداً والاكثر قدرة على خلق تصورات للحل السياسي في السودان، أما مصر ومنابرها ومؤتمراتها كلها لا تعدو كونها إضافة لسلسة المؤامرات التاريخية التي كانت ولا زالت وستظل تحيكها ضد السودان وشعبه فمصر غير مؤتمنة على السودان لأن كل مبادرتها تقوم في الأساس على الاستغلال البشع لمقدرات البلاد.