تفوّهات سكران!
علي أحمد
يقولون في المثل السوداني الشائع: “سكرة ينِّي الفي قبرو يغني”، وحقيقة لا أعرف من هو (ينِّي) هذا الذي بلغ به السُكر والعربدة هذا المبلغ البئيس، ولكنّ قطعاً لن تكون سكرته أسوأ من سكرة “ياسر العطا”، وربما مثلها، إذ أن ياسر هو الآخر يغني على ليلاه، وقد اقترب من القبر أيضاً!.
كثيرون أفرطوا في الضحك والسخرية أمس من حال “العطا” عندما كان يتحدث لوفد من الاعلاميين بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، حيث تاه في خيال السكارى والندامى والكائنات الليلية التي يدركها النهار ولا تدري إنها في يوم الجمعة أم الأحد، لكني ورب الكعبة شعرت بالحسرة والخجل، مما يصدر عن هذا السكران الذي قضت مشيئة الله – ولا اعتراض على مشيئته – أن يصبح أحد كبار قادة الجيش السوداني، حتى يعرف الشعب المكلوم أسباب الهزائم المتتالية الساحقة والماحقة التي لحقت به في الحرب الراهنة فأصبح مهزلة بين جيوش العالم!!.
تصريحات الرجل فاقد الرشد وغائب الوعي معروفة ومبذولة، حتى أن كثيرين صنفوه من الفئة (غير المؤاخذة)، التي يجب أن يُرفع عنها القلم حتى يفيق، ولن يفيق، بل كيف يفيق وهو يحدد شروطاً للتفاوض من أجل إنهاء حرب مهزوم فيها بالضربة (الفنية القاضية)، حرب فضحت ضعف إمكانيات الجيش وقادته وكشفت عن مدى جهلهم بأبجديات الحرب وأُسس التخطيط الاستراتيجي نظرياً وميدانياً، دعك عن الأمور السياسية المتعلقة بالتفاوض وقواعده وفنونه، ولعل أهم قواعد المفاوضات في حالة الحرب هي الجلوس إليها بدون شروطٍ مسبقة، لكن (مساعد) البرهان لن يكون أفضل من البرهان، فقد وضع أربع شروط، أولها استسلام قوات الدعم السريع، وليته اكتفى بذلك، بل حدّد (5) معسكرات لتجميع قوات الدعم السريع بعد استسلامها بداخلها، فهل هذا رجل رشيد؟!.
تصوروا، هذا الغائب عن الوعي، يضع شروطه هذه وقوات الدعم السريع تسيطر على أكثر من ثلثي عاصمة البلاد التي يتواجد فيها، وتحاصر مقر قيادة جيشه منذ بداية الحرب، وتستولي على معظم فرق ولواءات وحاميات ومناطق الجيش العسكرية في كافة أنحاء البلاد، ولم يتبق منها سوى القليل – (سقط اللواء 92 الميرم وأنا أكتب هذا المقال) – كما تتواجد وتسيطر على أغلب ولايات البلاد، عدا ولاية الشمالية وولايتي كسلا والبحر الأحمر، فماذا تبقى إذاً للعطا غير خمر وكأس ولسان؟!
أما الشرط الثاني، فيبدو إنه لم يصبر عليه حتى “يجف الشراب في حافة الكأس”، فقد اشترط انسحاب الدعم السريع من جميع المناطق السكنية وإخلاء المباني التي سيطرت عليها خلال الأشهر الماضية.
هل فهمتم شيئاً؟! فإذا افترضنا أن الدعم السريع وافق على الشرط الأول، وذهب وتجمع في معسكرات العطا، فما الداعي للشرط الثاني، ما يؤكد بان الرجل يتعاطى صنف رخيص ورديء من الخمور، ننصحه بالامتناع عنه، أليس الشرط الأول هو الاستسلام والتجميع في خمس معسكرات، إذن كيف ينسحب الدعم السريع من الأماكن السكنية إذا قبل بالشرط الأول؟
أما الشرط الثالث فهو الأكثر إضحاكاً وسخرية، قال: تسليم الأسلحة”، وإعادة المقاتلين الأجانب إلى (بلدانهم) وتسليم المتابعين قضائياً بتهم تتعلق بالانتهاكات، ونحن هنا نتساءل: هل هذا كله بعد تنفيذهم لشرط الاستسلام وحشرهم في معسكرات العطا الخمسة أم قبل ذلك، وما هو ترتيب هذه الشروط؟.
أما الرابع، فلا رابع ولا قبله ثالث ولا ثاني ولا أول، وهو أن لا يكون للدعم السريع وجود – يقصد دور – عسكري أو سياسي مستقبلاً، وكأنه – أي العطا- سيكون له أدوار في حيواتنا المقبلة، هذا لو أنه قد عاش، أو عشنا نحن؟. والله إني أخجل أن أناقش هذه الشروط التي هي في الحقيقة شرط واحد، لكن الرجل لا يعي ما يقول!
إذا كان العطا واعياً الآن، فليلحق ولاية سنار، وليفزع النيل الأبيض والأزرق والقضارف وشمال دارفور ونهر النيل، حتى لا يجد (أشاوس) الدعم السريع خلف ظهره أو أمام عينيه في مخبأه بكرري أو وادي سيدنا، حينها ربما يتبول على نفسه كما يفعل محدثو السكر، ويتسبب في إهانة الزي العسكري، وإن كان قد دأب على إهانته ليل نهار، حتى أصبح الزي العسكري وثوب العاهرة سواء، ألم ترتديه ندى القلعة وعشة الجبل ورشان السهل ومنى الوادي؟
قيل والعهدة على الراوي، أن وفد الإعلاميين الذين خاطبهم العطا في وادي سيدنا وقدّم أمامهم هذه الشروط، رغم أنهم من ذات (سبيطته)، بلابسة وفلول وفسدة، لكنهم كانوا مذهولين وغير مصدقين لما يصدر عن هذا الكائن الخروفي الذي له (باع) طويل في الكذب ومساكنة الخيال ومعاقرة (التصورات الذهنية).
انها تفوّهات سكران.