نارنا ولدت رماداً
لا يجرمنكم بُهتان (قحت) وزبانيتها أن تقتلوا للشباب ثورتهم ورغبتهم في التغيير..
منحنى خطير وانزلاق مُهلك أن شعر أولئك الشباب بأنّ نارهم ولدت ذاك الرماد، وأن كل أحلامهم التي أوقدوها استحالت مُحَاصصات ونقار جزيل واشتجار.. إياكم أن تلعبوا على أوتار صبرهم الذي لو نفد فإن كل أبواب الجحيم التي لم تعرفوها ولم تتخيّلوا ستكون مشرعة، بل أدنى إليكم من حبل الوريد، سيتركون – إذا ساموا – الحرية التي استنقذوها وثاروا من أجلها إلى أهوائهم والضغائن إعاثة للفساد وفي كل مكانٍ.. لأن رغبة الإصلاح وئدت على خلاقها والطبيعة كما تعلمنا لا تقبل الفراغ.
من الصعب – على حد تعبير الكاتب الروسي العظيم ليف تولستوي – وجود تصور أخلاقي أكثر تفاهة: (إذا رمَت الثورة البلدَ في البُؤس، فمسؤولية ذلك تقع – بالمقام الأول – على الطبقات الحَاكمة التي دَفَعت الشعب نحو الثورة. وفي المقام الثاني، على القوى السياسية التي حرفت الثورة عن منظومتها القيمية الأخلاقية).
أخلاقياً على تلك الجُمُوع التي تقف على مناضد (البوفيه المفتوح) أن تقدر جسامة هذا الاختراق الحَادث الآن وأهميته في كوننا مُقبلين على طريقٍ جديدٍ تأخّرنا عليه كثيراً، وما زلنا نتجاذب سلكانه بدلاً من أن نشرع إليه ونسرع سعياً نحو الأفضل، فالأفضل بناءً لمُسقبل الأجيال القادمة.. ومَا نُمارسه الآن هو الكسل التاريخي المُتجدِّد، ركوناً إلى أثقال الماضي التي لا تنفك تهدينا إلى الرزوح تحت قبة الإقصاء وفوضى فش الغبائن الذي لا ينتهي إلى خير أبداً.
فلماذا نتحاكم إلى الطاغوت وقد أُمرنا أن نكفر به فقهاً وقضاءً.
قضاءٌ عادلٌ وشفّاف ومُستقلٌ لا ينبغي أن نستلهمه من قضاء ميدان رابعة الذي كسب لنظامهم سنوات وخسر المُستقبل والآخرة. وأنشأ شبكة علاقات صدئة ومتعدية قادرة على إنجاز التجاوُز وفي محطات أخرى لا علاقة لها بأسباب إنشاء هذه الشبكات نفسها.
فما أن تطلق الوحش فلن تتمكّن من صد نهمه المُستمر للتّوحُّش والالتهام، إذ لا ميزان تملكه ولا حُدُود لطُموحاته والجشع!!
تستطيع أن تبدأ (فرتكة عرس)، ولَكن لا تَستطيع أن توقف تَفَاعُلات البداية ليسمع الناس كلامك وأنت تَهتف بلا جَدوَى (يكفي.. وشكر الله سعيكم).
تَسعى الآن في سَاحاتنا قِوى مُتعدِّدة المشارب والنوايا (والنجوى) من أجل أصنامها (العجوة) وتتبارى من أجل أن تضع (فلاناً وعلاناً في مكان مو مكانو)..
اصنعوا الفكرة أولاً وامنحوها سياجاً قيمياً لازماً، وفّروا لها الاحترام الممدود والحصانة من نقض العهود، ثم نقلوا عيونكم واختياراتكم للشخوص والأولويات كيف شئتم.
انتصرت الثورة الفرنسية بقيمها، رغم فداحة الاستبداد الذي صارعته زماناً مجيداً، ولولا منظومة القيم الأخلاقية التي امتازت به لعادت خاسرةً وثورة فاشلة.
نحن جميعاً أمام امتحانٍ عسيرٍ.. ومُخطئٌ من ظنّ أنّ الامتحان خَاصٌ بمجموعة دُون الأخرى حتى إذا ما رسبت تساخر فيها الباقون واشتملتهم روح الغبطة والسرور المُخزية.. نستهم ذات السفينة ولن ينال المجد كف واحد.
حتى المُعارضين والرافضين لهم مُتّسعٌ ومكانٌ في التصويب والمُراجعة والتّقويم.. اتفاقاً على الوطن وامتناعاً عن التخابُر والأجندات الشرور.