أزمة اللاجئين.. هل ضاقت مصر بضيوفها؟
أزمة اللاجئين.. هل ضاقت مصر بضيوفها؟
أماني الطويل
يتم تصنيف مصر علميًا وتاريخيًا بأنها بلد مستقبل للهجرة ومصدّر لها، كما يفخر المصريون بأنّ بلدهم قادر على هضم كل أنواع الثقافات وإعادة إنتاجها في خلطة مبهرة تعبّر عن التعدد والوحدة في آن واحد، كما يحتضنون بود كل قادم هالعًا من بطش نظام سياسي أو من انعدام للأمن نتيجة الحروب والصراعات المسلّحة خصوصًا تلك المندلعة بعد عام ٢٠١١.
لا يجوز تأسيس مفردات سودانية منفصلة على الأراضي المصرية
وفي سياق موازٍ شكّل مشروع جمال عبد الناصر القومي العربي والتحرري الأفريقي سببًا إضافيًا لتضخم الجاليات العربية والأفريقية في مصر التي استقبلت قادة سياسيين أصبحوا زعماء في بلادهم فيما بعد مثل صدام حسين على المستوى العربي، وقادة أفارقة كثر منهم سام نوجوما أول رئيس لنامبيا بعد الاستقلال، فضلًا عن الدور المصري في دعم نيلسون مانديلا وتبني مشروعه المكافح للعنصرية.
حجم اللاجئين إلى مصر وصل لما يقارب أكثر من ١٠٪ من سكانها ونصف عدد غير المصريين في مصر هم من السودانيين.
وطبقًا للمؤشرات العامة فإنه من المرجح أن يكون حجم اللاجئين إلى مصر قد وصل لما يقارب أكثر من ١٠٪ من سكانها، وهو أمر يلقي بأعباء كبيرة على الدولة المصرية حكومةً وشعبًا، كما أنه قد خلق حساسيات مؤثرة خصوصًا في الحالة السودانية التي تتميّز بمتناقضين. الأول؛ حمولة تاريخية سلبية ناتجة عن علاقة عضوية قبل استقلال البلدين، وسياسيات قد تتعثر في التعاون الاستراتيجي المفترض أن يقوم على توازن المصالح، وهي حالة يتم استخدامها دومًا من طرف ثالث تكمن مصالحه الاستراتيجية في تدشين شروخ مؤثرة في العلاقات الثنائية بين مصر والسودان.
نقيض هذه الحالة مشتركات وجدانية خلقها نهر النيل الجاري في البلدين، فضلًا عن تأثير القوة الناعمة المصرية على محيطها وهو ما نتج عنه أنّ نصف عدد غير المصريين في مصر هم من السودانيين.
على الصعيد الرسمي لا تُفصح القاهرة عن حجم أعبائها الناتجة عن أنّ عشر سكانها هم من غير المصريين، وأيضًا لا تفعّل بشكل كافٍ منظومات التفاعل مع اللاجئين على نحو مقبول يحاصر الحساسيات الناتجة عن ظاهرة اللجوء، حيث أصدر رئيس الوزراء المصري في يونيو/حزيران ٢٠٢٣ قرارًا بشأن إصدار تشريع مصري لتنظيم اللجوء، لكن هذا القرار لم يتم تفعيله حتى الآن، وتم الاكتفاء بمحاولة دفع اللاجئين إلى التسجيل في مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ومواجهة ظاهرة التهريب من السودان عبر الصحارى بحسم مؤخرًا وذلك بإعادة المهربين إلى بلادهم مرة أخرى، وهو ما أثار الرأي العام السوداني ضد مصر، وتم استخدام ذلك على الصعيد الإثيوبي في وسائل التواصل الاجتماعي.
على الصعيد الشعبي المصري ربما يكون ما يثير التحفظ في هذه المرحلة ليس فقط الضغوط على الأسعار خصوصًا الوحدات السكنية والسلع الغذائية التي سببها النزوح السوداني الكبير والمفاجئ نتيجة الحرب، ولكن ما يعتبره المصريون الأخطر وهو المدارس السودانية، وهو إجراء قامت به بعض الجاليات العربية لكن دون ترخيص ولا إعلان ولا بالكثافة التي مارسها السودانيون، والتي كانت تعبيرًا عن مصالح أصحاب المدارس ورغبتهم في استمرار أعمالهم أكثر من أي شيء آخر، وبطبيعة الحال تعدد جنسيات المدارس يعني للمصريين خلق ثقافات موازية في مجتمعات مغلقة، وهو أمر يعتبرونه خطرًا على الدولة التي تنتج تقليديًا حالة تعايش ثقافي بين الساكنة على أرضها.
الإشكالية الماثلة حاليًا مع السودانيين في مصر تتطلب نقاشًا صريحًا، ذلك أنّ بعض السودانيين يطرحون أفكارًا بشأن إقامة معسكرات في مصر، وهو أمر سوف يكون خطرًا على السودانيين أنفسهم، فخبرة معسكرات دارفور تقول إنهم تحولوا نسيًا منسيًا وما زالوا يقطنون المعسكرات دون حل، أفكار أخرى تذهب إلى إنشاء معسكرات داخل الأراضي السودانية تحت حماية أممية.
لا يجوز تأسيس مفردات سودانية منفصلة على الأراضي المصرية والمطلوب النقاش بشأن تأسيس حالة غير متنافرة.
في تقديري أنه مطلوب خلق نقاش عام حول الحالة السودانية في مصر وكيفية التعامل معها، في سياقين؛ الأول: مصري، الذي يجب أن ينتبه ويهتم بتطوير آليات التعامل مع اللاجئين على الأراضي المصرية، كما يهتم بالإعلام والثقافة كآليات مطلوبة لدعم ورفع حالة القبول المصري بالوافدين إليه، وذلك بمناهج جديدة تحاصر تضخم المشاكل والحساسيات، كما أنه من المطلوب أن يُلاحَق قانونيًا عبر شرطة الانترنت المنتجون لفيديوهات تبث خطابات الكراهية ضد السودانيين، وذلك فضلًا عن السعي لإيجاد تمويل دولي لدعم الساكنة من غير المصريين.
على المستوى السوداني؛ مطلوب إدراك أنّ الحرب السودانية للأسف ممتدة وأنه لا يجوز تأسيس مفردات سودانية منفصلة على الأراضي المصرية، خصوصًا المدارس التي لم يقم بتأسيسها غيرهم من السوريين أو العراقيين، حيث أنه من المطلوب النقاش بشأن تأسيس حالة ثقافية وإنسانية متوافقة وغير متنافرة، تقود إلى حالة تطوير في العلاقات الثنائية وليس في تدشين شروخ غير مطلوبة.