العفو الدولية تطالب مصر بوقف الاعتقالات الجماعية والإعادة القسرية للاجئين السودانيين

قالت منظمة العفو الدولية، إنه يجب على السلطات المصرية أن توقف فوراً الاعتقالات التعسفية الجماعية والترحيل غير المشروع للاجئين السودانيين الذين عبروا الحدود إلى مصر بحثًا عن ملاذ آمن من الصراع الدائر في السودان؛ جاء ذلك في تقرير أصدرته المنظمة اليوم عشية اليوم العالمي للاجئين.

ويظهر التقرير الصادر بعنوان “كبّلونا وكأنّنا مجرمين خطرين”: الاحتجاز التعسفي والإعادة القسرية للاجئين السودانيين في مصر، كيف يجري القبض على اللاجئين السودانيين، ثم ترحيلهم بصورة غير مشروعة إلى السودان– الذي يشهد صراعاً محتدماً – دون اتباع الإجراءات الواجبة أو إتاحة أي فرصة لطلب اللجوء، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

وتظهر الأدلة أن الآلاف من اللاجئين السودانيين قد اعتُقلوا تعسفياً، ثم أُبعدوا جماعياً؛ حيث تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 3000 شخص قد رُحِّلوا من مصر إلى السودان في شهر سبتمبر 2023 وحده.

وقالت سارة حشاش، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “من المستعصي فهم الإقدام على اعتقال النساء والرجال والأطفال السودانيين جماعياً بعدما عبروا الحدود فراراً من الصراع المسلح الدائر في بلادهم، وبحثًا عن الملاذ الآمن في مصر، ثم احتجازهم تعسفيًّا في ظروف سيئة ولاإنسانية، وترحيلهم بصورة غير مشروعة”.

وأضافت سارة حشاش: “يجب على السلطات المصرية أن تضع حدًا فوريًا لهذه الحملة الخبيثة من الاعتقالات الجماعية والإبعاد الجماعي. وينبغي لها الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين التي تستوجب منها أن تكفل للفارين من الصراع في السودان عبوراً آمنًا وكريمًا إلى مصر، وسبل الوصول إلى إجراءات اللجوء دون أي قيود”.

ويوثق التقرير بالتفصيل محن 27 لاجئًا سودانيًا اعتُقلوا مع نحو 260 آخرين على يد قوات حرس الحدود التابعة لوزارة الدفاع وقوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية بصورة تعسفية، خلال الفترة بين أكتوبر 2023 ومارس 2024.

كما يوثِّق كيف أعادت السلطات ما لا يقل عن 800 محتجز سوداني قسرًا خلال الفترة بين يناير ومارس 2024، وكيف حُرموا جميعًا من إمكانية طلب اللجوء، بما في ذلك إتاحة الفرصة أمامهم للوصول إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو الطعن في قرارات ترحيلهم.

ويستند التقرير إلى مقابلات أجريت مع لاجئين محتجزين، وأقاربهم، والقيادات المجتمعية بالجالية السودانية، ومحامين، ومهنيين طبيين؛ فضلًا عن مراجعة البيانات والوثائق الرسمية، وفحص الأدلة السمعية البصرية. ولم ترد وزارتا الدفاع والداخلية المصريتان على الرسائل التي بعثتها إليهما منظمة العفو الدولية وأوردت فيها نتائج توثيقها وتوصياتها؛ أما المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو المؤسسة الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، فقد رفض هذه النتائج زاعمًا أن السلطات تفي بالتزاماتها الدولية.

وقد جاء التصاعد الحاد في عمليات الاعتقال والإبعاد الجماعية في أعقاب صدور قرار لرئيس الوزراء في أغسطس 2023، يلزم الأجانب المقيمين في مصر بتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم.

وتزامن هذا القرار مع تصاعد نبرة الخطاب العنصري وخطاب كراهية الأجانب، سواء على الإنترنت أم في وسائل الإعلام، فضلًا عن تصريحات المسؤولين الحكوميين التي ينتقدون فيها “أعباء” استضافة “الملايين” من اللاجئين.

كما جاءت هذه الحملة على خلفية تزايد التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر على صعيد الهجرة ومراقبة الحدود، بالرغم من سجل مصر المزري في مجال حقوق الإنسان، وانتهاكاتها الموثقة توثيقًا جيداً ضد المهاجرين واللاجئين.

ففي أكتوبر 2022، وقع الاتحاد الأوروبي ومصر اتفاقًا للتعاون تبلغ قيمته 80 مليون يورو، يشمل بناء قدرات قوات حرس الحدود المصرية لمكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر عبر الحدود المصرية. ويدّعي هذا الاتفاق أنه يطبق “مناهج قائمة على الحقوق وموجهة نحو الحماية ومراعية للنوع الاجتماعي”. غير أن التقرير الجديد لمنظمة العفو الدولية يوثق ضلوع قوات حرس الحدود في انتهاكات ضد اللاجئين السودانيين.

وفي مارس 2024، تم الاتفاق على حزمة أخرى من المعونات والاستثمارات، تُعدُّ الهجرة واحدة من ركائزها الرئيسية، في إطار شراكة استراتيجية وشاملة أعلن عنها حديثًا بين الاتحاد الأوروبي ومصر.

وقالت سارة حشاش: “من خلال التعاون مع مصر في مجال الهجرة بدون ضمانات صارمة لحماية حقوق الإنسان، يخاطر الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها مصر. فيجب على الاتحاد الأوروبي الضغط على السلطات المصرية لحملها على اتخاذ تدابير ملموسة لحماية اللاجئين والمهاجرين”.

وأردفت سارة حشاش قائلةً: “قبل تنفيذ أي تعاون في مجال الهجرة، يجب على الاتحاد الأوروبي أيضًا إجراء تقييمات صارمة لما قد ينطوي عليه هذا التعاون من مخاطر على حقوق الإنسان، وإرساء آليات مستقلة للرصد تعمل وفق معايير واضحة لحقوق الإنسان. ولا بد من وقف أي تعاون أو تعليقه على الفور، إذا كانت ثمة مخاطر أو تقارير حول وقوع انتهاكات”.

جرت أغلبية الاعتقالات الجماعية في القاهرة الكبرى (التي تضم القاهرة والجيزة)، وفي المناطق الحدودية في محافظة أسوان أو داخل مدينة أسوان. وفي القاهرة والجيزة، قامت الشرطة بعمليات الإيقاف والتحقق من الهوية الجماعية، مستهدفة الأفراد السود، مما بث شعورًا من الخوف في أوساط اللاجئين، وجعل الكثيرين منهم يحجمون عن مغادرة منازلهم.

وبعد اعتقال اللاجئين السودانيين على يد الشرطة في أسوان، يُنقلون إلى مراكز الشرطة أو معسكر قوات الأمن المركزي، وهو أحد مرافق الاحتجاز غير الرسمي، في منطقة الشلال. أما من تعتقلهم قوات حرس الحدود في محافظة أسوان، فيُحتجزون في مرافق احتجاز مؤقتة، من بينها مخازن داخل أحد المواقع العسكرية في أبو سمبل، وإسطبل للخيول داخل موقع عسكري آخر بالقرب من قرية نجع الكرور، ثم يُجبرون على ركوب حافلات وشاحنات تنطلق بهم إلى الحدود السودانية.

وتتسم الظروف السائدة في مرافق الاحتجاز المذكورة بالقسوة واللاإنسانية، والاكتظاظ الشديد، وعدم تيسر المراحيض ومرافق الصرف الصحي، وقلة الطعام ورداءته، والحرمان من الرعاية الصحية الكافية.

كما وثقت منظمة العفو الدولية اعتقال ما لا يقل عن 14 لاجئًا أثناء وجودهم في مستشفيات حكومية في أسوان، حيث كانوا يتلقون العلاج الطبي لإصابات خطيرة تكبدوها في حوادث سير أثناء رحلاتهم من السودان إلى مصر. ونقلتهم السلطات– بخلاف نصائح الأطباء وقبل تماثلهم للشفاء التام– إلى مرافق الاحتجاز حيث أجبروا على النوم على الأرض بعد العمليات الجراحية التي أجريت لهم.

ومن بين هؤلاء أميرة، وهي امرأة سودانية عمرها 32 عامًا، فرت من الخرطوم مع أمها، وكانت تتلقى العلاج الطبي في أحد مستشفيات أسوان في أعقاب حادث تصادم سيارة في 29 أكتوبر 2023 أدى إلى إصابتها بكسور في العنق والظهر.

وقالت نورا، وهي إحدى قريبات أميرة، للمنظمة إن الأطباء أخبروها أنها بحاجة لرعاية طبية لمدة ثلاثة أشهر؛ ولكن بعد 18 يومًا فقط نقلتها الشرطة إلى أحد مراكز شرطة أسوان حيث أجبرت على النوم على الأرض لمدة نحو 10 أيام.

فحص مختبر الأدلة التابع لمنظمة العفو الدولية صورًا فوتوغرافية وتحقق من مقاطع فيديو تعود إلى يناير 2024 لنساء وأطفال جالسين على أرض قذرة وسط القمامة في أحد المخازن التي تسيطر عليها قوات حرس الحدود المصرية.

وقال المحتجزون السابقون إن المخازن كانت موبوءة بالجرذان وعشش الحمام، ووصفوا كيف اضطر المحتجزون لتحمل البرد أثناء الليل بدون ملابس ملائمة ولا بطاطين. واتسم مخزن احتجاز الرجال بالاكتظاظ الشديد، حيث زُجَّ فيه بأكثر من 100 محتجز معًا، وعانوا من صعوبة الوصول إلى المراحيض الطافحة، مما يضطرهم للتبول في زجاجات بلاستيكية أثناء الليل.

واحتُجز ما لا يقل عن 11 طفلًا، بعضهم دون الرابعة من العمر، مع أمهاتهم في هذه المواقع.

وذكرت إسراء، التي تعاني من الربو، لمنظمة العفو الدولية أن الحراس في إسطبل الخيول المكتظ بالقرب من قرية نجع الكرور تجاهلوا طلبها الحصول على بخاخ استنشاق، حتى عندما طلبت منهم شراءه على نفقتها الخاصة.

وبعد فترات من الاحتجاز، تتراوح بين بضعة أيام وستة أسابيع، كبّلت الشرطة وقوات حرس الحدود أيدي المحتجزين، ونقلتهم إلى معبر قسطل-أشكيت الحدودي، حيث سلمتهم للسلطات السودانية، بدون إجراء تقييم فردي لمخاطر تعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في حال إعادتهم إلى السودان. ولم تُتح الفرصة لأي من المرحَّلين لطلب اللجوء حتى في حالات اللاجئين الذين كانت لديهم مواعيد للتسجيل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو الذين طلبوا التواصل مع المفوضية أو التمسوا عدم إعادتهم. ومثل هذه الحالات من الإعادة القسرية تشكل انتهاكًا للالتزامات الدولية الواقعة على عاتق مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، بما فيها مبدأ عدم الإعادة القسرية.

كما قامت قوات حرس الحدود بإبعاد أحمد وزوجته، وطفلتهما البالغة من العمر عامين، ضمن مجموعة تتألف من نحو 200 محتجز، في 26 فبراير 2024، بعد احتجازهم طيلة ستة أيام في موقع أبو سمبل العسكري.

منذ بدء الصراع في السودان، تقاعست السلطات المصرية عن تقديم بيانات إحصائية، أو الاعتراف بسياسة الترحيل التي تنتهجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى