بركة ساكِن”.. روائي الأوغاد! (1-2)
علي أحمد
لم يبق في السودان صاحب وجهين لم يُعرف، ولا لص لم يفُضَح، ولا عورة لم تُعرى، ولا سرٌ لم يُكشف، ولا خطة لم تُسرَّب، كل شيء انهار بفعلِ الحرب، وهذه من مزايا الحروب إن كنت لا تعلم، فالحروب إذ تعكس بشاعة الحاضر فإنها أيضاً تؤسس بنهايتها لجمال المُستقبل، وأجمل الانهيارات التي تتسبب فيها الحروب هي الانهيارات التي تكشف عن ما وراء الجدار، وأفضل هدم تقوم به هو ذاك الذي يبدأ من أعماق الإنسان، وآخر انهيار في هذا الصدد كان من نصيب “عبد العزيز بركة ساكن”، الذي أسقطت الحرب قناع وجهه، وأزالت المساحيق الرخيصة التي كان يضعها عليه، فظهر بوجهه الحقيقي البشِع، وكان أول من تفاجأ بصورته الحقيقية هم نفس القطيع الذين توجوه فيما مضى – بلا أدنى معيار- ملكاً على مملكتهم الخيالية المتوهمة، وهو في حقيقة الأمر أحطهم مكانة وأقزمهم عمقاً وأدناهم استقامة!
منذ يومين وجمهور “فيسبوك” يعيش حالة صدمة متوهمة لأن أديبهم “بركة ساكن” كتب منشوراً على حائطه حمَّل فيه مسؤولية الحرب والدماء التي أريقت خلالها لـ (قحت والجنجويد) – لا كيزان ولا برهان ولا هم يحزنون- وغني عن القول أنه يقصد بـ”قحت” كل القوى الديمقراطية المدنية، أما “الجنجويد” فبالطبع يقصد بها قوات الدعم السريع، ولا بأس، ولكن البأس الشديد في هؤلاء الذين صدموا مما قاله “ساكن”، فمنذ متى كان الرجل في صف الثورة والثّوار؟ وأي موقفٍ عملي صدر عنه؛ أكّد للناس أنه من داعمي ودعاة الحكم الديمقراطية المدني؟ ومتى تعرض لمضايقات من النظام الإسلامي الديكتاتوري البائد؟، لا يوجد، لا شيء سوى بعض الأحاديث التي يحكيها عن نفسه باستحياء، ولا يوجد لها مرجع أو سند غيره، هذا إضافة لمنحه فرصة الحديث مرة أو مرتين في تظاهرة بباريس أو جنيف، قال خلالها ما يُكفي لتعضّيد ملفات لجوء إخوة له، ولكنها قطعاً غير مبرئة لأي شيء آخر، ومن يُصدّق الأقوال لا الأفعال عليه أن يعلم أنّ مفتي الحرب الحالي “الشيخ مهران” كان خطيب اعتصام القيادة، وأيضاً لو أن الأقوال تصلح لخلق انطباعات حقيقية لصار اللص الانقلابي “أردول” مانديلا الثورة ، ولكن إيمان الثائر بالثورة كما الإيمان بالله: يوقِر في القلب ويصدقه العمل.
هذا فيما يخص موقفه السياسي، وهو في الحقيقة بلا موقف ولا مبدأ، ليس سياسياً فحسب بل في كافة المناحي، وهو جاهل سياسياً وضحل فكرياً وساذج ومراهق اجتماعياً إلى حدودٍ مخيفة، لدرجة أنه ربما يكون لا يزال مصدقاً حتى الآن أنّ هناك امرأة تُدعى “سارة” تقود طائرة تابعة لسلاح الجو؛ تقصف بها جموع (الجنجويد) اللصوص القادمين من تشاد ومالي وتحولهم إلى شواء “كباب”، وقد يظن ظان أنّ هذه السذاجة مردها إلى طيبة ونقاء يمتلئ بهما صدر الرجل، وهو أبعد عن هذا، بل يمكنني القول إنه أبعد من أن يوصف بأي وصف إنساني، وله في هذا الصدد قصة يجب أن تُحكى، وقد هجر زوجته وغادر المنزل بعد اكتشاف إصابتها بمرض السرطان مباشرة، هكذا فعل معها الكذوب اللعوب وتركها تواجه السرطان اللعين وحدها؛ ينهش لحمها وعظمها، فمن أي نطفة حيوانية متوحشة جاء هذا الكذوب المتشدق بالإنسانية، وهل يحق لشخص بهذه السوية الإنسانية المُنحطة أن يكتب ويؤرخ عن الجنجويد، ثم من هم الجنجويد سوى من يكسرون النساء والأطفال ويذبحون أحلامهم وأمالهم في هذه الحياة، وماذا ترك للجنجويد حتى “يتجنجدوا” به في مقبل أيامهم كالحة السواد؟!.
عبد العزيز بركة ساكن هو الكاتب الوحيد في هذا العالم الذي لا يدخل ضمن زمرة المثقفين، ولا أقول هذا تجنياً؛ بل لأني اختبرته خلال جلسات جمعتني به معية آخرين، فهالني تواضع أفكاره وهزالة ثقافته وسطحية معرفته، ولم يكن ذلك فقط هو ما استوقفني، بل خفته وعدم اتزانه أيضاً، حتى أنني قلت لمن سألني عنه بعد تلك الجلسة، إنه دهماء من نوع فاخر، مثله مثل (مُعسلات الشيشة) كلها تُمرض ولكن دائماً هناك ثمة نوع مكتوب عليه فاخر، لا لشيء سوى أن أحدهم قال عنه أنه فاخر!
غداً نواصل ونكتب عن “روائيته” وعلاقته بالثقافة، وسر غزارة إنتاجه، ولماذا يكتب دائماً عن “الجنجويد”، ومن هم الجنجويد؟!