تريدُ العودةَ إلى بيتك؟
عبد الحفيظ مريود
إلى أىّ درجةٍ يوجعك أنّكَ لستَ هناك؟ تقومُ بالأشياء الحبيبة التي تعتبرُها جزءً من يومك؟ هل تفتقد الأصدقاء؟ رائحة أشجار البيت؟ طعم القهوة فى أقرب الأسواق إليك؟ هل أنت حزين؟ غاضب؟ موجوع؟ متشظٍّ؟
حسناً..
كيف هو طريقُ العودةِ إلى البيت؟
سأخبرُك..
“يا سكّةْ لى بيتنا..
ياعتمةْ يا مشوار”
دخل صديقي المخرج، محمود عبد الله، بيتنا في أمدرمان، أبوروف، سوق الشجرة. كان يصوّر فيديو، بعد أنْ قام الجيش بـ “تحرير” أمدرمان القديمة. في الفيديو، سقطت دانة، فهدمتْ الجزء القديم من البيت. واحترق ما بقي منه. غرفتان كبيرتان، برندة، ومطبخ، ثمّ غرفة صغيرة في الحوش الخلفي. هذا الجزء عزيز على نفسى، جدّاً. ينبغىّ – بحسب الشائع – أنْ أتحرّى : هل سقطت الدّانة من جانب الجيش، أم من الدّعم السّريع؟ ثمَّ أقوم بتحميل الجهة التي دمّرت البيت المسؤولية، وألطم، أشتم، أولوِل.
لكنْ ماذا يفيدني من أىّ جهةٍ سقطت الدّانة؟
سيكونُ أوّلُ ما يتبادرُ إلى ذهنك هو أنْ تضع خطّةً للغضب والانتقام. أنْ تجدَ سبيلاً سهلةً تقبض بها على “الجنجويد”، أو تمحوهم من وجه الأرض. لماذا؟ لأنّهم الوجه الشائه في حياتك التي تعرفها. فقد نشأت، درست، كبرت، تزوّجتْ، أنجبتَ، دون أنْ تسمع عن شيئ اسمه (الدّعم السّريع). لم يصادفك في المنهج المدرسىّ، لم تسمع به في الأناشيد الوطنيّة، لم تره في التلفزيون إلّا مؤخّراً. فهو طارئ في حياتك…والطارئ هذا – تحديداً – هو من ارتكب جرائم الحرب في دارفور، ابتداءً من العام 2003م، هو الذي نكّل بالقبائل ذات الأصول الإفريقيّة في دارفور، هو الذي فضَّ الاعتصام في القيادة العامّة للجيش، هو الذي ابتدرَ الحرب، هو الذي نهب بيتك، بعد أنْ أجبركَ على مغادرته، هو الذي اغتصب بنات جيرانكم – وليس بناتك، أخواتك، أمّك، قريباتك – لأنَّ فعل الاغتصاب – عادةَ – يقع على الآخرين، لا “علينا”..
وبالتالى، فإنَّ الطّبيعى أنْ تقف مع جيشك، ضدَّ هذا (الذي لا تعرفه)، ضدَّ الغريب. وأىّ فعلٍ مشين، سيئ، لا أخلاقىّ، بالضّرورة ارتكبه هذا الغريب.
شايف كيف؟
ستقف مع الجيش ضدَّ الغريب، الطارئ. ستبذلُ له كلَّ ما بقىَ لك. ستدفعُ بولدك – إذا لم تكنْ قد لجأتَ وأسرتك إلى مصر، أو غيرها – ولد أخيك، أختك، إلى معسكرات التدريب، وستكونُ سعيداً، وهو يذهب مستنْفَرَاً مع الجيش إلى العمليّات، لتحرير البلاد.
والطّبيعىُّ – والحالُ هذه – أنْ ينجحَ جيشك في تحرير البلاد. وأنْ تعيدَ لك الشّرطة المنهوبات، وأنْ يتمَّ تعويضك. ستكونُ سعيداً وأنتَ تسمع في الأخبار أنّه تمَّ تنفيذ حكم الإعدام في قادة الدّعم السّريع. لكنْ حين تنتظرُ 14 شهراً ولا يحدث شيئ من ذلك سيكونُ عليك أنْ تتساءل. هذا اقترح منّى، فقط.
لأنَّ الطبيعىّ – أيضاً – أنْ تمنحَ جيشك فرصة. بعضهم سيقولُ لك (نحن مع الجيش حتّى لو فضل بوت بس)..وقد يطربك قائد الجيش في خطابه الأخير بالمناقل (سنقاتل حتى آخر جندىّ)، دون أنْ يقع في بالك أنَّ ثمّة هزيمة مضمَرةً في عبارة سيادته. مثل عبارة مساعده الجنرال ياسر العطا (حتى لو سقطت الفاشر).
حسناً…
أنتَ لا تنفصل عن تلقينكَ. جرى “تهذيبك..قولبتك..برمجتك)، منذ ولادتك عبر المناهج الدّراسيّة، التلفزيون، الإذاعة، الشّعر، الاحتفالات، لكتون “طبيعيّاً”، هكذا. لأنّك – إنْ لم تكن هكذا – فأنتَ خائنٌ، مرتزق، بربرىٌّ، عميل، قحّاتى، دعّامىّ، طابور…الخ. وقلبك الصغير – بالطّبع – لا يحتمل أنْ يتمَّ تصنيفك. مكانتك الاجتماعيّة لا تسمح، وهكذا.
شايف كيف؟
سيثلجُ صدرَك، قطعاً، أنَّ السّودان مستهدفٌ من دولٍ عديدة. وذلك طمعاً في ثرواته الهائلة، فى امكانياته المدّخرة..أو حسداً من هذه الدّول. قد تكون ساذجاً إلى درجة أنّهم (يحسدوننا فى ديننا)..دون أنْ تفكّر : لماذا ستحسدنا السعوديّة، الإمارات، دول الخليج، مثلاً؟ هل لأنّنا أكثر تديّناً منهم؟ أغنى منهم؟ أكثر تطوّراً منهم؟ وبالطّبع، فإنَّ دولة قطر لا تفعلُ ذلك. ستتبرّعُ لنا بمكانيات ونّظام جوازات جديد، وستقدّم لنا دعماً سخيّاً، لأنّها “دولة شقيقة”، فيما الأخريات عميلات.
أنْ تعودَ إلى بيتك، فإنَّ عليك أنْ تطرحَ جانباً ما تمَّ تلقينكَ إيّاه. أنْ تخرجَ من قوقعة الأوهام. لا أحدَ يحسدكَ. لستَ مميّزاً إلى هذه الدّرجة. لا يطمع أحدٌ فى خيراتك. عليك أنْ تطرح الأسئلة، لا أنْ تتحاشاها. لن يحرّر بلادك أحدٌ، فيما أنتَ وأسرتك خارج السّودان، تنتظرون (آخرين) للقيام بهذه المهمّة. حتّى لو كان هؤلاء الآخرون هم (الجيش، أمن يا جن، الشّرطة، المستنفَرِين)، لماذا تريد للآخرين أنْ يموتوا، بدلاً عنك، لتعودَ إلى بيتك؟
لماذا لا يعودُ الجميع إلى بيوتهم؟
هل فكّرتَ في ذلك؟
الطّريق إلى بيتك، هو طريقٌ يقود الجميع إلى بيوتهم. طريق السّلام..
الحرب، “البل بس”، طريق وعرٌ، طويل، شاقٌّ ومدمّر…لن يرجعكَ، أبداً..لن يبنىَ ما انهدم من بيتك..لن يعيدَ ممتلكاتك، سيارتك المنهوبة لن يرجعها الفريق الكبّاشى من غرب إفريقيا…لا تصدّق الأوهام.
كنْ قادراً على طرح الأسئلة الصحيحة…
(الدّعم السّريع بدأ الحرب وأشعلها ليقيم مملكة آل دقلو في السّودان)
حسناً…
وأين كان الجيش، أثناء ذلك، وماذا كان يفعل؟ ألا ندفع له كي يحرسنا؟ كي لا تقع الحرب؟
ما هذا؟