أديس أبابا والحضور الباذخ لأم قرون

سلام يا صاحبى

أديس أبابا والحضور الباذخ لأم قرون

أبوعبيدة برغوث

تخطينا بهو فندق راديسون بلو بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا ونحن نودع أحد أصدقائنا المناضلين ونستعد أيضا لحزم حقائبنا للمغادرة بعد أن حضرنا معاً جدلية تأسيس وبناء الدولة السودانية المصاحب لانعقاد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) الأسبوع الماضي، وفي اعتقادي هو الأسبوع الأطول في تأريخ بلادنا حيث تداول السودانيين قضايا بلادهم المعقدة والشائكة من خلال نقاش سلس ومفتوح وشكلت قضايا قبول الآخر حجر زاوية في الإطار العام لنقاشاتهم التي قد تخرج بلادنا من رماد النكبة إلى مشروع دولة المواطنة التي ظلت حبيسة مشروع الاحتكار وسيطرة النخب السياسية.

أعتقد أن ذلك هو ما فتح باب النقاش بين الحاضرين حول مشكلات السودان التي ظل جزء من السودانيين يتعمدون تغييبها.

حضرت المؤتمر مع الآخرين متمسك بطرح العدالة والمساواة بين الناس، كما صاحب المؤتمر الحضور الباذخ  (لأم قرون) الذي أثار جدل الهوية والثقافة في مؤتمر (تقدم) عندما هتف أحدهم بذلك مقاطعاً حديث ممثلة المرأة، وهو هتاف فتح الباب للنقاش الرافض لحضور تلك الأدبيات في المشهد السوداني، دفعني ذلك إلى أن  أقود مواجهة مع أحد الذين يدعون الثقافة وهو يوجه حديثه لذلك الشباب وهو يقول له (أم قرون دي شنو أول مرة أسمع بيها)، بتأدب قلت له: هي تنتمى إلى مكون اجتماعي عريض وجد منذ بدء الخليقة وهو من أسس مع الآخرين الدولة الوطنية في السودان إبان الثورة المهدية وأن الثقافة التي تنتمى لها أم قرون هي التي وحدت بين الدويلات السودانية تحت راية المهدية، ولكن للأسف احتكرت دولة النخب كل شئ وهو الاحتكار الرافض (للآخرين أن يكونوا آخرين) وغيبت دورهم عن عمد في نشأة الدولة السودانية.

قلت له أن تغييب حقوق الآخرين الثقافية والاجتماعية قادنا إلى هذه المواجهة المؤلمة وقد تنتهي ببلادنا إلى الزوال.

وأذكر يا صديقي كنا في العام 2015 تقدمنا بطلب لمجلس الثقافة والفنون أبدينا من خلاله رغبتنا على تأسيس نادي للجراري والمردوم بعد أن قمنا باستيفاء كافة الشروط المطلوبة، ولكن للأسف بدأت عملية المراوغة ثم الرفض المبطن من خلال عدم الرد وثم اللجنة لم تجتمع بعد، وقتها كان بعض الشباب الذين ينتمون لهذا المكون العريض أفلحوا من خلال تواجدهم وراء البحار أن يوصلوا صوت ذلك الفن العريق هناك حيث صدعت الفنانة الإسرائيلية ريهانا بأغنية (القمر بضوي) ثم سلسلة من الأغاني التي تنتمي لسلالة أرض البدو المقدسة.

حضرت ذاك النقاش وأنا أستدعي بكل حب الانتماء لتلك الثقافة والفن والأدب الذي كان إن قدر لنا أن نؤسس معاً لوطن يحمل ملامح هذا التنوع الفريد.

يا صديقي العديد من السودانيين للأسف الشديد لا يتعرفون على ثقافات وفنون بعضهم البعض وهم في بلد وأحد وأن العديد منهم تعرف على ثقافة وفن الآخر من خلال البندقية أو الحروب سواء كان ذلك في جنوب السودان أو جبال النوبة أو النيل الأزرق أو حتى دارفور من خلال برامج السلام الذي يبث في التلفزيون أو الإذاعة وهي برامج محدودة جداً وتقدم بصورة باهته بصورة متعمدة.

والآن أنتم تستفسرون عن المدلول الثقافي والفني في حكايات أم قرون بعد أن طرحه هؤلاء المقاتلين من خلال البندقية؟  ألم يكن أجمل يا صديقي أن نعمل جميعنا من أجل توطين ثقافة قبول الآخر بدلاً عن إلغاء دوره وتأريخه ونضاله في وجود وتأسيس الدولة السودانية؟؟؟ وعلى الذين يعتقدون أن احتكار الدولة السودانية ما زال ممكناً علينا أن نخبرهم بأن الشعوب السودانية قد تفتحت بصيرتها وازداد وعيها وغادرت محطة التبعية نحو آفاق التحرر والانعتاق من السودان القديم وتقدمت خطوات نحو بناء السودان الجديد وأعتقد هذا ما خلص عليه مؤتمر تقدم الذي وضع الإطار العام لتأسيس الدولة السودانية وهو إطار يلتقى مع الاتفاق الذى وقع بين رئيس التنسيقية الدكتور عبد الله حمدوك والرئيس المؤسس لحركة وجيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور ورئيس الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز آدم الحلو الذي جاء فيه أن الهوية السودانية هي المواطنة التي تقف على مسافة وأحدة من الأديان والهويات والثقافات للشعوب السودانية والتي لا تميز بين السودانيين علي أساس العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو الجهة.

رفعت الأقلام وجفت الصحف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى