استنفار القضاء!
استنفار القضاء!
علي أحمد
أعاد البرهان عقب انقلابه مباشرة في 25 أكتوبر، 2021، أعاد فيما أعاد من النظام البائد جهازه القضائي الفاسد الذي يديره ضباط أمن، وكما هو معلوم أن أهم أركان الدولة قديماً وحديثاً هو القضاء المستقل العادل، فإذا فسد؛ فسدت الدولة بكاملها وانهارت، فما بالك – عزيزي القارئ – بجهاز قضائي في ظل حالة (اللا دولة) التي يعيشها ويشهدها بلدنا الآن.
بالأمس، 5 يونيو، بلغ فساد القضاء في دولة (بورت كيزان) أوجه، حيث أصدرت محكمة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة بمدينة بورتسودان برئاسة ضابط الأمن الكوز، المأمون الخواض حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت تعزيراً على الشابة “هناء عباس ضوء البيت”، وذلك تحت المادة (51/أ) من القانون الجنائي لعام 1991، وبالتزامن أصدرت محكمة بمدنية الدمازين حكماً بإعدام الموظف بهيئة الطيران المدني، عيسى حامد خميس، تحت المادة (50) تقويض النظام الدستوري و (التخابر) لصالح قوات الدعم السريع- يا سبحان الله!
لا أحد يساوره شكٌ في أن هذه الأحكام سياسية بالدرجة الأولى، فالمذكورين الصادرة بحقهما أحكاماً بالإعدام من المناهضين للحرب والداعين إلى وقفها، ومثل هؤلاء يعتبرون في عرف (الكيزان) وأجهزتهم القضائية ونيابتهم وشرطتهم، خونة وعملاء، وقد صرحوا بذلك مراراً ولا يزالوا، بأن من يقول (لا للحرب) ويدعو إلى السلام، ستتم محاكمته بالإعدام ويجوز قتله، وقد ظل إعلام الكيزان الذي يديره جهاز الأمن الشعبي (مليشيا كيزانية) والاستخبارات العسكرية التي يسيطر عليها ضباط يدينون بالولاء والطاعة العمياء في المنشط والمكره لتنظيمهم الإرهابي وشيخهم المجرم (علي كرتي) المطالب الأول بملاحقة دعاة السلام والتفاوض وجلبهم إلى (محاكم التفتيش) حتى من خارج البلد، وقد أصدرت نياباتهم مذكرات توقيف على صيغة قوائم بحق سياسيين وناشطين ومثقفين وصحفيين وفق نفس المواد المشار إليها في صدر المقال، و على رأسهم رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك، أصبحت فيما بعد مثار سخرية العالم كله، وكشفت عن مدى سيطرة الكيزان على الأجهزة العدلية وتجييرها لتصفية الحسابات مع من يخالفونهم الرأي، دعك عن خصومهم السياسيين.
إنّ انهيار الدولة يبدأ بانهيار النظام العدلي؛ وهذه قاعدة معروفة، لذلك قاوم (الكيزان) توجه حكومة د. حمدوك المدنية الانتقالية والمجهودات العظيمة لوزيرها نصرالدين عبد الباري لإصلاح هذا النظام الذي تم تخريبه بشكل منظم ومقصود لثلاثين عاماً متواصلة، وتمكنوا عقب انقلاب البرهان من العودة بقوة إلى الجهاز القضائي والنيابة وعاثوا فيهما فساداً؛ ونقضوا جميع الأحكام الصادرة بحقهم، وأعادوا الفاسدين والمجرمين إلى الخدمة المدنية، خصوصاً ضباط جهاز الأمن المتقمصين وظائف قضاة ووكلاء نيابات.
هذا كله معروف ومفهوم، لكن المثير للسخرية، أن يحاكم دعاة السلام ووقف الحرب بالإعدام تحت طائلة (تقويض النظام الدستوري – وارتكاب جرائم ضد (الدولة)، فقط لأنهم قالوا (لا للحرب)، على يد من قوضوا النظام الدستوري وأشعلوا الحرب وأثاروا الفتن القبلية واستخدموا الخطابات العنصرية لإحداث شرخ مجتمعي كبير، وهجروا المواطنين من منازلهم وسرقوا أموالهم ودمروا البنيات التحتية للدولة، وهربوا أسرهم إلى الخارج ونهبوا المال العام والموارد لمصالحهم الشخصية، فمن يُحاكم من – بالله عليكم؟
إن عبد الفتاح البرهان وضباطه وشيخه (علي كرتي) هم الذين قوضوا النظام الدستوري بانقلابهم على الحكومة المدنية الانتقالية في 25 أكتوبر، 2021، وهم الذين أشعلوا الحرب الراهنة بهجومهم على معسكر قوات الدعم السريع في المدينة الرياضية، وهم الذين تسببوا في انهيار الدولة وضربوا بنياتها التحتية وقتلوا المواطنين على الهوية وأجبروهم على حمل السلاح عنوة ووضعوهم وجهاً لوجه أمام فوهات المدافع، فيما لاذوا هم بالفرار وهربوا أسرهم إلى الخارج، هؤلاء من يستحقون الشنق في ميادين عامة وليس المواطن المغلوب على أمره، الذي تفاجأ بأن لا جيش في بلاده، وأن الحديث عن بطولات هذا الجيش وقوته وحرفيته محض أوهام وأكاذيب تم اختبارها في هذه الحرب، كما تم اختبار (الكلية الحربية) التي تخرج فيها هؤلاء الضباط عديمي الكفاءة والشجاعة، حتى أن صبية – الدعم السريع- تمكنوا من إلحاق الهزائم والعار والشنار بهم، من خلال خطط واستراتيجيات وتكتيكات عسكرية متقدمة ومذهلة، مترافقة بشجاعة وبسالة وإقدام واستعداد للتضحية وبذل الروح رخيصة في سبيل ما يؤمنون به.
هؤلاء الضباط (خريجو) الكلية الحربية بزمن الكيزان، أضعف مما تصورنا، بل لا يمتلكون الحد الأدنى من المؤهلات التي يتمتع بها من يستهزؤون بهم ويطلقون عليهم (ضباط الخلاء)، هذا جانب، الجانب الآخر هو فسادهم ونفسياتهم الخرِبة وحقدهم على المجتمع، وانتقامهم منه، لذلك زجوا به في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، ومن رفض وقاوم ودعا للسلام، حاكموه بالإعدام في تراجيديا قضائية تتوارى أمامها (محاكم التفتيش) خجلاً وحياء!
إنها دولة اللصوص الأوباش.. دولة العسكر والكيزان الفاسدة.