أركو مناوي والغباء الإستراتيجي
محمد الربيع يكتب.. أركو مناوي والغباء الإستراتيجي
“الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”
“الفرق بين الغباء والعبقرية هو أن العبقرية لها حدود”
ألبرت إينشتاين
السيد مني أركو مناوي يعتبر بكل المقاييس واحد من أكثر النماذج الشاذة وسط المناضلين عبر التاريخ وهو بحق نتاج صدفة من صدف القدر الذي وضعه في موقع لا يملك له أدنى صفة من صفات التأهيل (العلمية أو الشخصية أو الفطرية) التي تؤهله لقيادة التغيير،، فهو أكاديمياً لم ينل تعليماً جيداً أو عالياً ليمكنه من صياغة أفكاره أو التعبير عنها برؤية واضحة ولا يملك القدرة الفلسفية علي التنظير والابتكار كما لم يجتهد لتطوير نفسه عن طريق المثاقفة وكثرة الاطلاع ومصاحبة الكتب ومجالسة العلماء وذوي البصائر لأن ذلك يتطلب الكثير من الرهق والمثابرة التي تعزُّ علي امثاله، ولذلك لا يمكن تصنيفه في خانة المثقف لأنه يفتقد أدوات الثقافة! أمّا المسافة بينه وبين الفكر والمفكرين فهي مسافة “سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ” كما لم يمتلك الصفات الفطرية للقائد الريادي مثل النباهة والكاريزما وسرعة البديهة وسرعة الاستجابة في المواقف التاريخية المفصلية لذلك فلا هو مناضل ثائر ذو ثقافة ثورية ومبادئ نضالية مثل كاسترو وجيفارا (كوبا وأمريكا اللاتينية) ولا هو مثقف وخطيب مفوّه مقنع للسامعين مثل مارتن لوثر كنج ومالكوم إكس في (الولايات المتحدة) ولا هو يمتلك العصامية والأنفة وعزة النفس كالمناضلين الآسيويين وعلى رأسهم مناضلي فيتنام “هوشي منه المؤسس ثم الجنرال فون مسار الذي هزم أمريكا حتي لقّبوه بالعدو العظيم” ولا هو مفكر صاحب رؤية إستراتيجية ومشروع دولة مثل مانديلا وجون قرنق وسانكارا وبول كاغامي في القارة السمراء …. لكنه خليط من المهرّج الإعلامي والمغامر السياسي بلا ذاكرة أو هدف يميل حسب الريح “مرة مع دول ومرة مع دول !!
السيد مناوي كان أول من كسر ظهر حركة التحرير وأضاع مشروعها المثالي الذي كان نبراساً للشباب وحلماً نبيلاً لشعب الهامش بانشقاقه الطفولي الغبي من خلال مؤتمر حسكنيتة الذي صنعه ورعاه الاستخبارات ولم تمض للنضال ثلاث سنوات وتم التسويق له قبلياً ليصطفّ قبيلة مناوي وخاصة خشم بيته (أولاد دقين) مع جناح حسكنيتة ونصبوه رئيساً !! وليبتعد عنه كل كوادر أبناء القبائل الأخرى وخاصة قبيلة الفور أو تم “إبعادهم” ومن هنا بدأت تطبيق سياسة “فرّق تسد” وتناسل الحركات تباعاً حتي بلغت حوالي الثمانين حركة كلها تحمل اسم التحرير وتجد قبيلة واحدة تملك مثلاً ثلاثين حركة بمسميات مختلفة …”كنتُ حينها أمين الإعلام والناطق باسم الحركة في مكتب القاهرة أهمّ وأنشط المكاتب الخارجية وأصدرنا بيان شديدة اللهجة شجبنا الخطوة وتوقعنا ما يحدث بعدها ورفضنا الدعوة لمؤتمر عام في ذروة النضال لأنه يكشف مطامح سلطوية فقط وبداية تشظي وتمزيق وقد كان!! وبالطبع هو لم يقرأ بأن مانديلا ظل رئيساً لحركته حتى وهو في السجن ٢٧ عاماً لم يعزله أحد أو يفكر بإقامة مؤتمر بعزله وظل دكتور جون رئيساً للحركة الشعبية منذ ٨٣ — ٢٠٠٥ حيث رحيله المشؤوم وكذلك كاسترو …. بعدها ذهب إلى أبوجا وواصل في نفس الدور “شقاق الصفوف” الذي رسمه له جهاز المخابرات وفاجأ كل المناضلين والمراقبين بالتوقيع على اتفاقيتهم مع مجذوب الخليفة ليؤتي به (مساعد حلة) كما وصف نفسه بذلك بعدما همشوه في مكتبٍ صغير متواضع في ركنٍ قصيٍّ من قصر غردون لا يوجد به سوى “شوية كراسي” وطاولة للصحف والجرائد الإنقاذية البائسة المليئة بمقالات في الهجاء والذم لشخصه تفنن فيها الخال الرئاسي العنصري الطيب مصطفي!! وعندما بلغ السيل الزبي وغدروا به وقتلوا له رجاله في المهندسين وأذلوه أضطرّ إلي الخروج إلى “السماء ذات البروج”.
بعد ثورة ديسمبر وبزوغ نجومية الفريق محمد حمدان دقلو بعد موقفه المشرّف برفضه ضرب الثوار ساهم في إنهاء حكم البشير (ولو جزئياً) إلا أن قوة شخصيته ظهرت في الدور الحاسم في سلام جوبا فهو من فرضه على البرهان ومجلسه الأمني الكيزاني وهو من كان يدفع مصاريف لوفود الحركات في جوبا ومنهم حركة مناوي (بشهادة أعضاء في الحركات) وهو من ظل يمنحهم المال في الخرطوم لتسيير حياتهم وهو من فرض وجودهم في الخرطوم عندما قال عبد الرحيم قوله الشهير في بيت موسي هلال: (الخرطوم دي حق أبو منو)؟! في الوقت الذي ظل الآخرين يكيلون عليهم الشتائم ويطالبون بإخراجهم!! ثم مرة أخرى كرر مناوي نفس الخطأ بكسره لظهر ثورة ديسمبر ودعمه لمؤتمر الموز الكيزاني ثم الانقلاب علي حكومة الثورة من بعده وقال في تلميحاته (عندنا اتفاق تحت التربيزة) !! وأستمر داعماً للانقلاب ودون أن يجلب سلام جوبا أيّ سلام أو مكسب للإقليم ولا للنازحين في المعسكرات وعندما ذهب لدارفور بعد تنصيبه حاكماً دعمناه وتوسمنا فيه خيراً بأنه قد تعلم الدرس وشخصياً كتبتُ عنه مقالاً وفيه رسائل بريدية …. لكن للأسف “عادت حليمة لعادتها القديمة “.
مع بداية حرب أبريل تظاهر بالحياد وأراد الذهاب إلى دارفور فساعده الدعم السريع على الخروج الآمن ومرة أخرى أمّن له الخروج والذهاب لـ “بورتكيزان” ومن هناك بدأت خيانته للعهد وردته النضالية وارتكب خطيئة العمر بتركه الحياد وانضمامه لصف من قاتله عقدين من الزمن وشرّده ونزّح أهله إلى معسكرات الذل والعار وهو من قال في أحداث كريندينغ : يوجد تواطؤ ومؤامرة من الأجهزة النظامية في الجنينة. وكما أن الاسلاميين أشعلوا الحرب من أجل أن يعودوا للسلطة، وسموها كذباً بحرب الكرامة كذلك جرّ أركو مناوي الحرب للفاشر “المنهك بالحرب منذ عقدين” من أجل الابقاء علي مكتسبات سلام جوبا “الأسرية” فقط،،، وسماها حرب دارفور !! ومرة أخرى حشد لها (قبيلته وخاصة خشم بيته) إذاً ما ذنب بقية المكونات التي لم تجد شيئاً من حصة جوبا التي خصصت (لخشم بيت) في قبيلة؟؟؟!!! هل من أبوجا إلي الدوحة ثم جوبا استصحبت معك أيّاً من المكونات الأخرى غير (خشم بيتك) ؟؟ وإذا لم تلبي للإقليم مطالبه “سلام ، تنمية وحقوق” كيف تستنفره للقتال بجانبك للحفاظ على مصلحتك الشخصية الأسرية؟ جميعنا ناضلنا ولم نأخذ الإذن من قبائلنا ولم ولن نأخذ توجيههم لنا سياسياً ولا يمكن أن نورطهم بأي موقف في العمل العام، فمهمة القبيلة تظل اجتماعية وهي للتعارف بين الناس،، فلماذا تورّط القبائل في حربٍ بين جيشين ؟! أما قصة خيانتك العهد بينك وبين الفريق حميدتي، فأين أنت من المقدم عبد الرحمن البيشي “أبن سنّار” الذي قال: حرّم أكلنا مع حميدتي الحلو وحرّم نأكل معه المر!!؟ إنها عبارة للتاريخ من فارسٍ موشح بالوفاء والشهامة!!
أيهما هو العدو الاستراتيجي بالنسبة لك هل هي دولة ٥٦ وفلول النظام البائد وكتائبه الداعشية أم هو قوات الدعم السريع وقائدها الفريق حميدتي والذي هو جارك وإبن منطقتك وترتبطان (جغرافيا وتاريخ) ؟! هل تثق بجيشٍ قبلي جهويٍّ عنصريٍّ قتل حوالي ستة ملايين من السودانيين خلال تاريخه الملوّث بالدم الوطني لشعوب الهامش وخاصة دارفور حتى قال كبيرهم: لا أريد منهم أسيراً أو جريحاً واغتصاب نساءهم من إثنياتٍ أخرى شرفٌ لهنَّ؟ لمن تتبع الطائرات التي تقصف دارفور يومياً وخاصة الفاشر وبالأخص الأحياء التي تقيم بها أسرتك؟ والسؤال الكبير هو لماذا حصرتَ دفاعك فقط عن مدينة الفاشر وتركت بقية الإقليم يسقط وأنت تحمل صفة “حاكم الإقليم”؟! هلا فهمتم الآن عبارة أينشتاين بأن للعبقرية حدود؟ أي بمعني آخر أن الغباء ليس له حدود وهذا يؤكده لنا تكرار مناوي لنفس الأخطاء الغبية منذ عشرين عاماً وفي كل مرة تصبح التكلفة أكبر ولم يتعلم أبداً وهذه هي نتيجة من يتقدم الصفوف بلا مؤهلات !! وهذه المرة تأكد تماماً خسارته لأي مستقبل سياسي لأنه قد خسر عسكرياً وفقد قوته وعتاده لكن السؤال: هل يجد طريقاً لسماءه ذات البروج؟! .
قبل الختام :
المرء يُذكَر بالجمائل بعده – فأرفع لذكرك بالجميل بناء
وأعلم بأنك سوف تُذكر مرة – فيُقال أحسنَ أو يُقَالُ أساء.