قرنق 16مايو ولعنة الأرواح تطارد البوابين الجدد

أبوعبيدة برغوث يكتب…قرنق 16 مايو ولعنة الأرواح تطارد البوابين الجدد

كان الدكتور جون سودانياً خالصاً مخلص لقضايا المساواة بين السودانين مدركاً لأبعاد وتعقيدات الأزمة السودانية ، لذا ظل منحازاً للمهمشين والغلابة من بنات وأبناء الشعب السوداني الذي عاش منذ إستقلال بلاده تحت سياط جلاديه من النخب السياسية التي احتكرت القرار السياسى والإقتصادي فى البلاد ، وكانت حروب التحرير التي انخرط فيها مع الآخرين من أجل خلاص الشعب وبناء وطن يسع الجميع.
صحيح لم يكون الطريق مفروشا بالورود أمام الدكتور قرنق بل إصطدم منذ البداية بعقبة البوابين الجنوبين الذين ظلوا يحرسون مصالح النخب والدفاع عنها من السقوط ، فكانت المليشيات الجنوبية التي أعاقت مسيرة التحرر وأطالت من أمد الحرب في جنوب السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق ، سقط خلالها الملايين من المواطنين الأبرياء حتى إنتصرت إرادة التحرر وأنجز قرنق إتفاقية السلام الشامل في 2005م بنيفاشا وبعدها إعلان الجنوبين دولتهم المستقلة، وعادت جنوب كردفان والنيل الأزرق للحرب مجدداً بل تحول قادة الحركة الشعبية في المنطقتين إلى بوابين جدد يهرولون لحماية الجلاد من السقوط بقيادة مالك عقار الذي دفع بقواته إلى الخرطوم في المعارك الأولى ومازال يدفع بهم إلى متحركات سنار وفي كل يوم يسقط العشرات منهم غير مدركين أنهم يقاتلون من أجل حماية الجلاد وأن قادتهم تخلوا عن مشروع التحرر وتحولوا إلى بوابين مثلهم مثل حركات دارفور التي كانت تهتف على طول الخط بإسم التحرر والمساواة ليكتشف الناس منذ وقت مبكر أنها لا علاقة لها بالتحرر والدليل على ذلك الانشقاقات الكبيرة التي ضربت صفوف الحركات منذ مؤتمر حسكنيتة الذي سيطرت فيه الأطماع الشخصية على المصلحة العامة للتحرر ، وقتها إنشق مناوي من القائد عبدالواحد محمد النور كما فعل كاربينو كوانين بول عندما إنشق في 1991م عن الدكتور جون قرنق ولكن ظل القائدان قرنق وعبدالواحد متمسكان بمشروع التحرير ، إذن تظل رحلة المساواة طويلة تمتد إلى سنوات طوال حتى تصل إلى محطتها الأخيرة وإلى ذلك الحين سيسقط العديد على جمبات الطريق ويستمر الاخرون في الطريق نحو المساواة والعدالة بين السودانين وقد تستمر الرحلة حتى تدركها الأجيال القادمة ولكن لا أعتقد أن هناك عودة من منتصف الطريق ،
وقتها سيكتشف البوابين بأنهم تجار في سوق تبور تجارته في كل يوم عندما يقاطعها الناس ، وعندها سيتخلى عنهم من كان يدفعهم للقتال كما حدث في جنوب السودان وكيف تخلى السودان عن مليشيات قوات الجنوبيين الصديقة أو القوات الوطنية الجنوبية أو قوات قوش وهي مسميات للبوابين الجنوبين الذين كانوا يقاتلون الحركة الشعبية إنابة عن النخب الحاكمة في السودان عندما تختلت عنهم الخرطوم وتركتهم يواجهون مصيرهم ولكن قادة الحركة الشعبية كانوا رحيمين عندما قبلوا بهم كمواطنين جنوب يعيشون في وطنهم ويتمتعون بكافة الحقوق والواجبات
ولكن تظل لعنة الأجيال تطادهم ، تلك هي حقائق التاريخ .
واليوم نحن نقترب من ذكرى تأسيس الحركة الشعبية الذي يصادف يوم 16 مايو 1983م وهو اليوم الذي أعلن فيه دكتور جون مواصلة رحلة التحرر والمساواة بين السودانين ، هو إعلان قابلته السلطة الحاكمة بالرفض وإتهام قرنق بالخيانة والعمالة والإرتزاق وحشد الناس بإسم الوطنية ثم جاءت الانقاذ وعبأت الشارع بإسم الرب والجنة ولكن لم يسل أحد نفسه ماهي معايير الوطنية ، هل الوطنية أن تظل تسيطر على البلاد دون الآخرين؟ وهل الوطنية هي عدم العدالة والمساواة بين السودانين؟ وهل الوطنية أن ترفض الآخرين أن يشاركوا في هياكل الدولة وأن تحتكر الإقتصاد والقوات النظامية والعلاقات الخارجية بل تحتكر كل شئ؟ وعندما يطالب الناس بالمساواة تصفهم بالخونة والعملاء ؟؟؟؟؟
أعتقد أن الوطنية والدين ليست سلعاً تباع وتشترى في سوق النخاسة ، لذا انتفض الناس وأدركوا أن مايجري الآن من حروب أشعلها من يريدون المحافظة على الدولة القديمة في 15 أبريل ستقودهم إلى الخلاص وإن طال السفر وتنتهي إلى بناء وطن يعيش فيه الجميع متساوين كما فعل السكان في جنوب أفريقيا، لذا يجب على النخب السياسية الحاكمة أن تدرك ذلك وتستهلم من تجربة جنوب أفريقيا وتذهب إلى طاولة التفاوض لإنهاء هذه الحرب وتؤسس مع الآخرين وطن يتساوى فيه الناس أجمعين وهذا هو الأفيد بدلاً عن إطالة أمد الحرب التي قد تضرب النسيج الإجتماعي للسودانين ، وقتها سيصعب معالجة ذلك الشرخ ويتسع الفتق على الراتق ويكلف الدولة الكثير ، أما البوابين الذين يحاولون إعاقة مسيرة التقدم نحو تأسيس وطن يسع الجميع
تطادرهم لعنة الأرواح التي سقطت من أجل التحرر قرنق ويوسف كوة وإدوارد لينو والملايين من المواطنين الأبرياء الذين سقطوا ضحية لهذا الصراع وتلاحقهم دعوات النساء والأطفال والشيوخ في معسكرات النزوح واللجوء والمرضى والجوعى فى كل مكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى