بشكل مفاجئ أعادت حكومة بورتسودان علاقتها الدبلوماسية مع طهران المقطوعة منذ العام 2017، مما اثار عدو تساؤلات عن الدافع الحقيقي وراء تلك العودة السريعة والتي توجت بلقاء جمع القائد العام للجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بالرئيس الايراني، ولكن سرعان ما بدأت نتائج تلك العودة تظهر على ارض الميدان العسكري حيث بدأت المسيرات الايرانية في الظهور على ارض المعركة مع تقارير تتحدث عن تدخل سلاح الجو الايراني في المعركة عبر مد الجيش السوداني بطائرات مقاتلة عبر دولة افريقية تربطها بالطرفين علاقات جيدة، تقلب (الراكوبة) هذا الملف الشائك مع الصحافي والناشط السياسي عضو تحالف القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” ماهر ابو الجوخ فإلى مضابط الحوار.
* ماهي مظاهر التدخل الإيراني في السودان؟
مظاهر التدخل الإيراني الفعلي متصلة بإمداد الجيش بالأسلحة والذخائر بما في ذلك المسيرات ذات الاستعمال العسكري من طراز مهاجر ووضحت هذه الأسلحة في مسار المعارك التي شهدها السودان بشكل واضح منذ بداية العام الحالي ولكن الظهور الأبرز لها كان في المعارك العسكرية التي سبقت دخول قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معه لمبني الإذاعة والتلفزيون بأمدرمان في منتصف مارس الماضي، وطبعا كل هذه التطورات تزامنت ومؤكد ليس مصادفة مع الخطوات ذات الصلة بتطبيع العلاقات بين الخرطوم وطهران وإيقاعها المتسارعة وكل هذه المعطيات لم تأتي وليدة الصدفة ولكنها فعلياً نتاج هذا التطور في العلاقات.
* هل تملكون معطيات حول أعمال سلاح الجو الإيراني نوعيتها و مخلفاتها؟
لا نمتلك معلومات تفصيلية باعتبارنا غير منخرطين في هذه الحرب على الأرض ولكن الشواهد على الأرض تؤكد وجود هذه الأسلحة فبخلاف التقارير الإعلامية التي أشارت لوجود حركة طيران من المطارات الإيرانية صوب السودان تحدثت قوات الدعم السريع في فبراير 2024م عن إسقاطها لطائرة بدون طيار من طراز مهاجر 6 الإيرانية وهو ما اعتبرته حينها قوات الدعم السريع دليلاً على تورط طهران في الصراع وإمدادها للجيش السوداني بالسلاح، ومؤخراً أعلنت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية الدائمة بمجلس الأمن ليندا جرينفيلد في تصريحات نقلتها وكالة (رويترز) في 12 أبريل الجاري، بأن بلادها حثت دول المنطقة للضغط على إيران لعدم التدخل في الحرب السودان. نخلص من كل هذه المعطيات أن الشواهد موجودة للتدخل الإيراني وعلى رأسها إمداد الجيش السوداني بالمسيرات خاصة من طراز “مهاجر” بالإضافة للذخائر التي كان الجيش يواجه شحاً كبيراً فيها جراء سيطرة الدعم السريع على مؤسسات التصنيع الحربي خلال الشهور الأولي للحرب.
الشواهد على الأرض تؤكد وجود الأسلحة الإيرانية بيد الجيش
* ماهي تداعيات هذا التدخل العسكري الإيراني على الأحداث في السودان وعلى أمن السودان والمنطقة؟
مؤكد أن هذا التدخل شأنه شأن كل التدخلات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وهو يترتب عليه بداية إطالة أمد الحرب ويمثل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي والنتيجة الأساسية له إطالة أمد الحرب في السودان ومنح التيار المتمسك باستمرار الحرب سانحة لرفض وقفها، إلا أن خطورة استمرار الحرب في السودان يتمثل في تحولها لحرب أهلية ذات طابع إقليمي نظراً لوجود تقاطعات وممارسات اجتماعية تتجاوز حدود الدولة السودانية وتتدخل في دول أخرى وهذا بدوره كفيل بإشعال وإحراق المنطقة بأسرها وفي ظل وجود داعمين لاستمرار الحرب وممولين لها يستفيدون منها اقتصاديا في الحد الأدنى من خلال بيع الاسلحة وتحويل البلاد لساحة عرض واستخدام لتلك الأسلحة.
أبوالجوخ: إيران تسعى لتمديد نفوذها في البحر الأحمر والثمن سيكون المزيد من الخراب
من المؤكد أن النتيجة الأسوأ هو تمدد مساحات الحرب لتشمل مناطق جديدة وربما تقود كل الإقليم للانزلاق في أتون حرب الكل ضد الكل وهو ما سيعقد المشهد ويجعل فرص إنهاء الحرب أكثر تعقيداً جراء وجود أطراف جديدة في هذا الصراع لكونه لن يقتصر عند تطوره على طرفيها الحاليين ممثلين في الجيش وقوات الدعم السريع ولكنها كالحرب في الصومال تبدأ بأطراف محدودة ومع استمرارها وتمددها تنتج أطراف جديدة فاعلة وموجودة على الأرض وهو ما سيخلق تعقيدات إضافية مستقبلاً عند حل الأزمة وإنهاء الحرب التي ستنتهي في يوم من ذات الأيام إلا أن تكلفة الإنهاء المبكر أفضل حالاً من وقفها بعد مرور سنوات أو عقود ومن المؤكد أنها قابلة للاستمرار والتمدد طالما أطراف إقليمية تتولي مهمة تسليح أطرافها بشكل مستمر كما تفعل طهران حالياً.
*كيف تتصور مستقبل هذا التدخل على الأوضاع في السودان والمنطقة؟
كما ذكرت سابقاً فإن تداعيات هذا التدخل على الأوضاع والمنطقة هو انزلاق في أتون الحرب الأهلية الشاملة التي تتجاوز الحدود الجغرافية للدول بدفع الكيانات الاجتماعية المشتركة للانخراط فيها، ومن الواضح أن طهران تتحرك في هذا الأمر من زاوية تعزيز الوجود إذا كان متاحاً من خلال الانتقال عبر السودان لمناطق أخرى أبرزها ليبيا وتعميق وجودها في منطقة البحر الأحمر، لكن هذا التحرك يستبطن البعد التكتيكي المرحلي لكونه يوظف هذا الوجود لتعميق وتعزيز وجوده في مناطق نفوذه الإستراتيجي خاصة في العراق وسوريا وجنوب لبنان لكون السودان وليبيا خارج دائرة نفوذها التاريخي الإستراتيجي وفعلياً يكون قايض ما لا يملك في الأساس وخارج دائرة نفوذه بمناطق يسعي للهيمنة عليها فعلياً وهذا يقودنا للإجابة على سؤال أساسي مرتبط بالمطالبة الأمريكية لدول بالمنطقة لإقناع طهران بكف يدها عن التورط في الصراع في السودان وهذا في تقديري هو المدخل لتأسيس مفهوم المقايضة بمعني “نعم يمكن أن نكف يدنا عن السودان لكن مقابل ماذا نقوم بهذا الأمر؟!”.
مظاهر التدخل الإيراني الفعلي متصلة بإمداد الجيش بالأسلحة والذخائر بما في ذلك المسيرات ذات الاستعمال العسكري من طراز مهاجر
أعتقد أن الإجابة واضحة صحيح قد تخضع للمساومات والمقايضات لكن الفكرة الجوهرية أن طهران قايضت بأمر لا يمثل ضرورة قصوي بالنسبة لها مقارنة بجوانب مهمة لها ليس شرطاً أن يكون الحافز تعزيز نفوذ في منطقة ما ولكن قد يكون تخفيف إجراء ضاغط هنا أو هناك يمكنها من الاستفادة من وجودها، مع ضرورة التنبيه إلي انها تخوض حرب السودان ليس كما يحدث في سوريا وجنوب لبنان والعراق باعتبارها مناطق عمق إستراتيجي وإنما تمارس المشاركة في الحرب ببيع السلاح وليس تقديمه مجاناً لحكام بورتسودان خاصة أنها تنظر لقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بوصفه عراب تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب الغريم التاريخي والأساسي لطهران في المنطقة.
* اعلان عودة العلاقات الديبلوماسية كيف تقرأه في مستقبل علاقات السودان الديبلوماسية؟
أعتقد أن عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران في الوقت الحالي هو “زواج مصلحة مكتمل الأركان” استفاد منه الطرفين في المدي البسيط وقد تستفيد طهران على المدى المتوسط خاصة أنها لا تقدم المساعدات العسكرية مجاناً ولكنها مدفوعة الثمن ويمكنها أن توظف وجودها في السودان لتحقيق مصالح ذاتية لها، إلا أن الخاسر الأكبر هو حكومة بورتسودان والبرهان على وجه التحديد فالتقارب مع طهران يقدم صورة عكسية للرجل الذي ظل يحاول تسويف نفسه باعتباره برغامتي قادر على تأسيس علاقة مع إسرائيل بعد قطيعة وبالتالي فإن توجهه نحو طهران ومن قبل أوكرانيا رغم العلاقات الوطيدة التي جمعت الجيش السوداني بروسيا التي تجاوزت الجوانب العسكرية للشق الاقتصادي في ما يتصل إنتاج وتهريب الذهبـ جعله فعلياً أشبه بالرئيس المعزل عمر البشير في أخر عامين من حكمه يتخبط لدرجة التناقض يريد فقط ما يثبت دعائم حكمه وإن فعل الأمر ونقيضه لذلك فإن نتيجة هذا المسلك هو وقوع مجموعة بورتسودان في دائرة التناقضات والتقاطعات وإضعاف الثقة عند التعامل معهم ولذلك فزيجة المصلحة هذه الخاسر الأكبر فيها هي مجموعة بورتسودان عموماً وقائد الجيش البرهان على وجه التحديد.