العلاقة بين مكونات دارفور في فترات تاريخية مختلفة
أحمد الدرديري يكتب.. العلاقة بين مكونات دارفور في فترات تاريخية مختلفة
تشكل التنوع القبلي لدارفور بين حقبتين ، بدت الحقبة الأولى من القرن السابع الميلادي، حيث أدى سقوط مملكة كوش على يد عيزانا ملك اكسوم في منتصف القرن الرابع الميلادي إلى هجرات قبائل نوبية من الشمال والشرق اشهرها الداجو والتنجر والميدوب والفور وهجرات قبائل ليبية امازيغية من الشمال اشهرها الزغاوة والكنين والقرعان وقبائل من غرب ووسط افريقيا اشهرها المساليت والفراتيت ، ويعتبر ملك الداجو اول ملك لدارفور ومن بعده حكمها سلاطين الفور.
بدت الحقبة الثانية بعد سقوط الاندلس١٤٩٢م فشهدت دارفور هجرات قبائل عربية واسلامية مكثفة اشهرها الهلالين الجنيدين بني حسن وبني هلبا وقبائل فزارة ، وتاسست كسلطنة إسلامية في القرن السابع عشر الميلادي علي يد السلطان سليمان سولونج( العربي ) ورث السلطنة من جده السلطان دالي مؤسس قانون دالي وحكمت هذا الأسرة العربية دارفور من العام ١٦١٠م حتي العام ١٩١٦ م .
تاسس العقد الاجتماعي لمكونات دارفور على الاسلام الصوفي والعادات والتقاليد والاعراف ، مع احتفاظ كل مكون باسطورته ونظامه السياسي وعاداته وتقاليده ووسائل كسب عيشه واستقلالية موارده داخل “حاكورته” فالحكم فيدرالي يخضع للسلطان.
تشكلت الدولة الوطنية بحدودها الحالية بعد نجاح الثورة المهدية وهزيمة الاستعمار التركي ١٨٨٥م وتوفي الأمام المهدي في ذات السنة وبايع أهل السودان الخليفة عبدالله التعايشي وكان رجل شديد التطرف والتعصب لأطروحات المهدية الدينية ، لم يسلم أحد من بطش التعايشي فقد هجر الأبالة والبقارة وحسم تمرد الجعلين والشايقية والاشراف ومن هنا بدت شرارة الكراهيات والاحقاد وانتهى سقوط فترة التعايشي بدخول الانجليز وجيش الشايقية والجعلين بقيادة كتشنر باشا واستبسل جيش التعايشي أمام مدفع المكسيم فتم ابادتهم وسقطت امدرمان وعندما سئل كتشنر هل هزمت التعايشي قال: لم نهزمهم ولكن ابدناهم كناية على شجاعتهم واستبسالهم ، وسيطر الانجليز علي امدرمان وتوسعت دائرة مناطق سيطرتهم وسقطت دارفور في ١٩١٦م على يد الانجليز بعد مقتل السلطان علي دينار وتم ضم دار مساليت ١٩١٩م بمساومة (اتفاقية قيلاني) بين الانجليز والفرنسين بواسطة السلطان بحر الدين ، فسيطر الفرنسين على منطقة ادري التشادية الان، والانجليز على الجنينة، وبعد نضالات طويلة تمكن السودانين من الاستقلال عن حكم الانجليز فخرج الانجليز وسلموا الدولة السودانيه لوكلائهم من الشايقية والجعلين ١٩٥٦م وشرعت النخب الجديدة لفرض نظام لايستوعب التعدد الموجود في السودان ما أدى إلى خلل في توجه هوية الدولة وخلل في توزيع السلطة والثروة. من هنا تدهورت العلاقات بين مناطق الهامش وشهد الجنوب وغيره انتفاضات سلمية ومسلحة فتمسك النخبة بسياسة الانجليز (فرق تسد) أدت لتشظي اجتماعي وسياسي واسع في مناطق الهامش (شرق السودان والجنوب ودارفور) فككت النخبة النسيج الاجتماعي للمكونات وافتعلت الصراعات القبلية وخلفت هذه السياسية غبائن اجتماعية واسعة، لم تحتكر الدولة أدوات العنف بل سلحت المواطنين وادارت المجازر القبلية عبر اجهزتها الأمنية.
شهدت الحياة السودانية حروب مستمرة بفعل “سياسة الجلابة” كنخبة سياسية ولن يسلم السودان من شر هذه الطغمة الفاسدة وتخليص السودانين من ويلات الحروب والقهر والظلم والاستبداد.
فحرب ١٥ أبريل الحالية رغم فظاعتها وما خلفته من مأساة نأمل أن تكون أخر الحروب في السودان وتفضي لتأسيس نظام مدني ديمقراطي فيدرالي.