خليفة كشيب يكتب.. ذكري معركة الصالحة أمدرمان “29 ابريل”، والقضاء علي أكبر قوة مشاة للجيش
في نهار صيف ساخن وبعد أسبوعين من العمليات العسكرية غير المركزية داخل ولاية الخرطوم ومحلياتها، مثل الضغط الواقع على الجيش مدخل لتحريك تفويجات عسكرية من ولايات السودان إلى الخرطوم لفك الحصار على قواته في مختلف المناطق والواحدات، خاصة خلق اختراق لمنطقة أمدرمان الأكثر انفتاحاً والمساعدة جغرافيتها على دخول قوات وعتاد حربي، فكانت فكرة التوجيه المعنوي المبنية على أغاني الجهاد والأناشيد حاضرة عند أول متحرك مجمع من مناطق كردفان والنيل الأبيض.
ففي العشرون من أبريل عرض الإعلام الحربي للجيش ما لا يقل عن 300 سيارة دفع رباعي وعدد آخر من السيارات الكبير عند مدخل مدينة (ربك) تحت مسمى تعزيزات للقضاء على التمرد كما يتوهم البلابسة.
إلى الأسبوع الثاني، سلكت تلك القوة مسارها حتي مناطق الجموعية غرب جبل أولياء وجنوب منطقة الصالحة أمدرمان والتي تمركزت فيها في الفترة ما بين 26_27 أبريل. كانت قوات الدعم السريع المجمعة في منطقة أمدرمان ليس بالقوة الكبيرة خاصة بعد الغدر بمعسكر كرري وبعض الوحدات العسكرية، وإلى تلك اللحظة – أي بعد اسبوعين من الحرب – لم يرتب الدعم السريع أوضاع قادته في أمدرمان لأن معظم المعارك كانت تدور حول المراكز العسكرية للجيش بالخرطوم، في ظل هذه الظروف استطاع بعض الضباط من الدعم السريع تكوين تشكيلات عسكرية عاجلة للحفاظ على وجود الدعم السريع بالمنطقة، في تلك الاثناء تكونت عدد من الوحدات في مناطق متفرغة وتحت قيادة العقيد (محمد ناجي عبيد) الضابط الموثوق من قبل قادة الدعم السريع والفريق أول “محمد حمدان دقلو”.
كان التحدي أمام تلك القوة هي كيفية الحافظ علي الخط الغربي خاصة وأن أمدرمان المدينة الشاسعة في كل الاتجاهات والتي بها ما لا يقل عن ثماني معسكرات للجيش مع أهميتها لقوات الدعم السريع في الإمداد الغربي من دارفور وكردفان تلك المناطق التي بها أضخم قوة عسكرية.
هنا كان عزم الرجال حاضراً في السيطرة على الشريط الغربي الممتد من جبال المرخيات حتى منطقة الصالحة وصولاً إلى خزان جبل أولياء.
في تلك الأيام كانت معارك ضارية حول القيادة العامة نذكر منها معركة بيت الضيافة ومباني جهاز الأمن والمخابرات ومعركة نادي الأسرة الشهيرة بقيادة القائد موسي قدم والتي صدت هجوم عنيف للجيش الذي يتحرك من جبراً والمدرعات والاستراتيجية لفك الحصار للحيلولة دون سقوط القيادة العامة ومنطقة الخرطوم العسكرية.
كما أن معظم قوات الدعم السريع ركزت عملياتها داخل الخرطوم واللواء الأول مشاة ومعركة الباقير الشهيرة والمناوشات حول السوق العربي.
كانت أولى المعارك الضارية للمشاة هي معركة الصالحة والتي جمع فيها الجيش عدد كبير من القوات لفتح مسار جديد وفك الحصار علي سلاح المهندسين، الغريب في الأمر وقبل بداية المعركة كانت قوات الدعم السريع تتوقع هجوم الجيش في الفترة المسائية أو عند الصباح الباكر، ولكن قوة الجيش وحسب تقديراتها العسكرية ومعرفتها ببواطن الأمور في أمدرمان تحركت نحو الصالحة في فترة الظهيرة، ومع مفارقات القوة والعتاد وحتي في إعداد المشاة يتفوق الجيش في كل شي ، فكان التكتيك الحرب لقوات الدعم السريع متقدم بألف مرة عن المشاة من الجيش ، ففي الجزء الجنوبي من منطقة الصالحة وبتكتيك عسكري لا يدرس في الكلية الحربية استطاعت قوات الدعم السريع من الالتفاف حول متحرك الجيش الأكبر وبعد ساعتين من التبادل واستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة تم سحق أكبر متحرك للجيش وتم أسر ما لا يقل عن (70) جندي من تلك القوات والاستيلاء علي معظم العتاد والسيارات القتالية.
كانت معركة الصالحة فاصلة في تفاصيل دخول اي قوة جديدة للجيش من النيل الأبيض وكردفان بالطريق الدائري وشكلت مناعة عالية لقوات الدعم السريع في وضع ارتكازات امتدت حتي مدينة القطينة والانفتاح بصورة أكبر علي جبل أولياء والطريق القومي ككل .
لم تكن معركة سحق مشاة الجيش انتهت آثارها فقط في أرض الصالحة بل فتحت أفق جديدة لقطاع الدعم السريع بأمدرمان للتمدد جنوباً حتي السوق الشعبي وتأمين سوق ليبيا وكل أحياء امبدات مع ربط القوات المتواجدة في الإذاعة وشارع العارضة حتى كبري شمبات .
صحيح أن تلك المعركة في 29 من أبريل تحسب بأنها من أكبر هزائم الجيش المشاة واستخدام متقدم في التكتيك الحربي لا يضاهيه إلا معركة شارع المعونة بحري في الربع عشر من شهر يوليو لذات قوات الدعم السريع.
حرب الخامس عشر من أبريل لم تشهد توثيق كامل للأحداث وذلك لأن معظم الناس المهتمين بالشأن التوثيقي كانت مفاجأة لهم، وهنالك الكثير من الحقائق ربما تأتي عن السرد الشفوي رغم ضعف الروايات في ذلك، ولكن تظل الحقائق أن هنالك إبطال في كل معركة وبتفاصيل مختلفة سطروا تاريخاً جديداً في الحروب والشجاعة والبسالة.