عودة الجنجويد (2-2)
علي أحمد يكتب.. عودة الجنجويد (2-2)
ذكرنا وشرحنا في الجزء الأول أمس؛ تاريخ وكيفية تأسيس مليشيا (الجنجويد) سيئة السمعة في عام 2003؛ بقرارٍ من الرئيس المخلوع وإشرافٍ مُباشر من نائبه الأول حينها، علي عثمان طه، وأُوكل أمر تأسيسها للاستخبارات العسكرية، وتحديداً للفريق “عوض ابنعوف” والفريق “محمد أحمد مصطفى الدابي”، يعاونهما الهارب “أحمد هارون” المطلوب للعدالة الدولية لاتهامه بإرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، ووضعوا تحت قيادتها المجرم “موسى هلال” الذي كان وقتها مسجوناً في سجن بورتسودان لارتكابه جريمتي السرقة والقتل العمد، فافرجوا عنه ونصبوه قائداً لمليشيا الجنجويد.
عاد “موسى هلال” إلى الواجهة مرة أخرى، أمس الأول، حيث ظهر في مقطع فيديو بثته مواقع وصحف محلية ومنصات إلكترونية تابعة للفلول، وهو يتوسط قلة قليلة من مؤيديه من أبناء قبيلة (المحاميد) التي يتزعمها، قائلاً: إنه يؤيد الجيش في الحرب الدائرة بينه وبين الدعم السريع، وألمح إلى إمكانية دخوله القتال بجانب القوات المسلحة، وأغدق على نظام الكيزان بالمديح والثناء، وقد بدا واضحاً في حديثه إنَّه مدفوع دفعاً للخروج وإعلان هذا الموقف، إذ إنّ هناك أحاديث من جهات لها درجة لا بأس بها من الموثوقية؛ تقول بأنه قد قبض الثمن حتى قبل نشوب الحرب للوقوف بجانب مليشيات (سناء/كرتي)، ومع ذلك لم يشارك، ضعفاً لا موقفاً، ويبدو أنهم يريدون منه الآن فقط إعلان لمساندتهم سياسياً مقابل الثمن المدفوع، بعد أن تيقنوا أنه لا حول له ولا قوة لينصرهم في ميادين القتال، عملاً بمقولة “حريم” ذلك الزمان: (ضُلْ راجل ولا ضُل حيطة)!
ويبدو أنّ الأغبياء لم يستوعبوا بعد ؛ أنّ “موسى هلال” أصبح لا ظل له (لا يهش ولا ينش) منذ ذلك التاريخ الذي ظهر فيه مُطأطيءٌ رأسه، مُقيد اليدين ومُتسخ الثياب وهو يُقاد إلى السجن، ومنذ ذلك اليوم فقد الرجل هيبته كما ظله، وما المشيخة وزعامة القوم سوى الهيبة؟ ومن هو ذلك المعتوه الذي يمكن أن ينقاد مرة أخرى ويسير خلف جبان رآه بأم عينه يسير ذليلاً حافياً نحو سجنه بظلفه؟ ومن ذاك الذي يستظل بمن لا ظل له؟!.
لم يمر يوم على حديث “هلال” ومحاولته إظهار قوته وسداد دينه، ومحاولته الفاشلة أيضاً لاسترداد هيبته، حتى عقدت الإدارة الأهلية لقبيلة (المحاميد) بحضور جميع نظار وأمراء القبيلة، مؤتمراً صحفياً أمس بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أعلنت خلاله تبرؤها من تصريحاته، مؤكدة أنها لم تفوضه للحديث باسمها، ومُشدّدة وقوف جميع أفراد القبيلة بجميع ولايات دارفور وخارجها مع قوات الدعم السريع، التي ناصرت ثورة ديسمبر من أجل السودان وحرية شعبه، في الحرب ضد قوات الكيزان ومليشياتهم التي تقصف وتقتل الناس بحسب اللون والعرق – كما جاء بملخص المؤتمر الصحفي – الذي كان بمثابة الضربة القاضية على رأس زعيم القبيلة الجنجويدي، وجعلوه أمام أفراد القبيلة الممتدة الكبيرة، كما الملك العاري أمام شعبه في قصة الأطفال الشهيرة، يرى نفسه مرتدياً لباسه الجميل وهو عارٍ تنظر جماهير شعبة إلى عورته وهي تقهقه، فانتهى إلى ما سينتهي إليه هلال، بلا قوة أو هيبة أو سِتر!.
من نعم الله على قوات الدعم السريع أن يُعلن هذا الجنجويدي البائس وقوفه مع الكيزان ومليشياتهم في هذا التوقيت، بل ربما هو أفضل ما حدث للدعم السريع مؤخراً؛ فمن ناحية كشف ظهور قائد مليشيا الجنجويد واعلان انحيازه لمليشيات الكيزان عدم وجود أي علاقة للدعم السريع بالجنجويد وفضح كل محاولات الكذب والتضليل وإلصاق تهمة (الجنجويدية) بها، ومن الناحية الأخرى – وهي الأهم- فضح أيضاً زيف الكيزان – مؤسسو الجنجويد، وعدم مبدئيتهم وتدنى أخلاقهم، وهم يتباكون ليل ونهار ويذرفون دموع التماسيح على الإنتهاكات واغتصاب النساء إلى آخر التهم التي يرمون بها قوات الدعم السريع كذباً مكشوفاً وإفكاً مفضوحاً، بينما هم يهللون الآن ويقرعون الطبول لتحالفهم الجديد القديم مع القائد الحقيقي لمليشيا الجنجويد، الذي ارتكب هو وقواته أكبر المحارق والمجازر قتل خلالها مئات الآلاف من المدنيين العُزّل في دارفور، واغتصبت فيها آلاف النساء ودفن الناس وهم أحياء في مقابر جماعية، ولا عجب، فقد عاد زعيم الجنجويد إلى مكانه الطبيعي في بيته وبين زمرته وأشباهه .. وكما تقع الطيور على أشكالها، كذلك أيضاً يقع الجنجويد.