مقطع فيديو جديد يوثق إعدام الجيش مدنيين
مرة أخرى يُصدم السودانيون بمحتوى فيديو يُظهر مجموعة من جنود وضباط الجيش السوداني وهم يحتفون بقتل عدد من الأشخاص بزي مدني، وسط تأكيدات مجموعات حقوقية وقيادات سياسية بأن الضحايا هم مواطنون جرى إنزالهم من عربة سفر قبل إعدامهم للاشتباه في تبعيتهم لقوات الدعم السريع.
ووقعت الحادثة يوم أمس الأحد، في مدينة الأبيض شمال كردفان، ما أعاد للأذهان واقعة مشابهة حدثت بذات المدينة في فبراير/ شباط الماضي، عُرفت بجريمة “جز الرؤوس” حيث جرى توثيقها هي الأخرى في مقطع فيديو يُظهر مجموعة من جنود الجيش السوداني وهم يرفعون رؤوس أشخاص قالوا إنهم يتبعون لقوات الدعم السريع قبل أن يتضح لاحقًا أنهم شباب مدنيون تم القبض عليهم حينما كانوا في طريقهم إلى مناطقهم وسط السودان.
واعتبرت قيادات سياسية ومجموعات حقوقية ما جرى يوم الأحد في مدينة الأبيض “جريمة حرب مكتملة الأركان وعملًا إرهابيًا يستوجب الإدانة” لجهة أن الضحايا مدنيون تم إعدامهم لانحدارهم من الحاضنة الاجتماعية لقوات الدعم السريع بغرب السودان.
“سلوك إرهابي”
وقال نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، خالد عمر يوسف، إن “الفيديو البشع المتداول الذي يصور احتفاء منسوبين للقوات المسلحة يتقدمهم ضابط رفيع الرتبة بقتل همجي لمجموعة من الذين يرتدون زيًا مدنيًا وسط صيحات التكبير والتهليل، هو امتداد لسلوك إرهابي تتصاعد وتيرته، ويقود لتحويل هذه الحرب اللعينة لحرب شاملة تغذيها نعرات وضغائن اجتماعية لن تبقي ولن تذر”.
وأكد يوسف على منصة “إكس” أن ما وقع “فعل إجرامي يجب أن ترتفع الأصوات بإدانته وأن يحاكم مرتكبوه الذين وثقت الصورة فعلهم الشنيع”.
وأضاف أن “من لا يرى بشاعة هذه الحرب ودناءة أهداف من يقفون خلف استمرارها وطبيعة مشروعهم، عليه أن يراجع سلامة بصيرته ووجدانه”، مشددًا على فضح بشاعات الحرب وإدانة من يقفون خلفها ومحاسبتهم على أفعالهم، والوقوف سدًا منيعًا أمام مخططات تمزيق البلاد التي تتصاعد وتيرتها مع استمرار الحرب، وفق قوله.
وأوضح أن “الطريق إلى ذلك بوقف الحرب، ومحاربة خطابات وأفعال تغذيتها وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وفضح الانتهاكات الفظيعة التي تحدث فيها ومحاسبة مرتكبيها، واختيار مسار سلمي لمعالجة أسباب الصراع بصورة جذرية بما يقود لسلام مستدام في السودان”.
من جهته أكد مساعد رئيس حزب الأمة القومي، صلاح مناع، على منصة “إكس” أن “الجريمة التي وقعت في الأبيض لمواطنين عزل ليست لهم أي صلة بقوات الدعم السريع سوى أنهم من الحاضنة الاجتماعية، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان وعمل إرهابي يستوجب الإدانة”.
وأشار إلى أن الجريمة تمت بحضور العميد العوض محمد العوض مدير الأمن بشمال كردفان، كما شوهد قائد الفرقة الخامسة التابعة للجيش بمدينة الأبيض، في مسرح الجريمة.
جماعات “إرهابية”
بدوره ندد منبر دارفور للعدالة بالحادثة قائلًا إن “الجيش السوداني ومن خلفه الجماعات الإرهابية المتطرفة، لا يزال يمارس الجرائم الوحشية بحق المواطنين الأبرياء على أساس عرقي وجهوي، إذ نفذ الجيش السوداني يوم الأحد 21 أبريل 2024 جريمة بشعة بحق عدد من المواطنين الأبرياء بمدينة الأبيض”.
وأكد المنبر في بيان نسخة منه أن الضحايا مدنيون جرى إنزالهم من شاحنة صغيرة (دفار) وبتوجيه مباشر من ضابط برتبة عميد تم ذبحهم حسب الفيديو المتداول الذي يظهر فيه الضابط محاطًا بجنود من الجيش وهم ينفذون أمر الذبح وسط التهليل والتكبير.
وأشار إلى أنها “جريمة بشعة وشنيعة تعيد للأذهان حادثة قطع رؤوس الطلاب بذات المدينة قبل شهور، مما يؤكد أنها لم تكن حادثة معزولة بل هو نهج عرفت به هذه الجماعات الإسلامية الإرهابية كالدواعش وغيرها من الجماعات المتطرفة”.
وذكر البيان أن الأعمال الإرهابية تزداد وتيرتها تحت هالة إعلامية تبث خطابات الكراهية وتعزف على طبول الحروب القبلية بين السكان.
وناشد منبر دارفور للعدالة المجتمع الدولي بالقيام بدوره في حماية المدنيين من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة والضغط على طرفي الصراع للعودة إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب والعودة إلى المسار المدني الديمقراطي.
بدوره ندد المستشار في مكتب قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق بالواقعة، مؤكدًا أن من جرى قتلهم هم مواطنون أبرياء تم إنزالهم من سيارة نقل عام بطريق “الأبيض – بارا” قبل ذبحهم والتمثيل بجثثهم ونشر الجريمة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح على منصة “إكس” أن ما حدث سلوك لا يشبه جيشا وطنيا، وإنّما عصابات إرهابية جاثمة على الشعب السوداني لنهب ثرواته وتدنيس كرامته وإذلاله”.
وقال طبيق إن “العميد أمن/العوض محمد العوض، مدير جهاز الأمن والمخابرات العامة بولاية شمال كردفان، أشرف بنفسه على إنزال الضحايا من سيارة نقل عام بطريق الأبيض بارا قبل ذبحهم والتمثيل بجثثهم على أساس عرقي وجهوي”.
وتتزايد المخاوف في السودان من ظهور جماعات إرهابية تجرّ البلاد إلى مستنقع الأعمال الانتقامية، بعد الفيديوهات التي تُظهر عمليات القتل والتمثيل بالجثث.
وكان المرصد الوطني لحقوق الإنسان في السودان، أكد وجود جماعات متطرفة تقاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش السوداني، لكنها تمارس أعمالًا انتقامية تشمل التعذيب والقتل والتمثيل بالجثث، محذرًا من خطر هذه الجماعات المتشددة على البلاد ونسيجها الاجتماعي.
وتُشير أصابع الاتهام على نطاق واسع في السودان، إلى مجموعة مسلحة تتبع حزب المؤتمر الوطني المنحل، وتقاتل حاليًّا إلى جانب الجيش تُسمى “كتائب البراء”.
و”كتائب البراء” هي ميليشا جديدة تتشكّل من مجموعة مقاتلين ينتمون لـ”الأمن الشعبي”، وهو جهاز الأمن السري للحركة الإسلامية الحاكمة في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل العام الماضي، أعلنت هذه المجموعات انخراطها في صفوف القتال إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.
ودخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامها الثاني، وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية للمدنيين، إذ أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 13 ألف شخص، وتشريد نحو 8 ملايين، بين نازح ولاجئ في دول الجوار.