بابكر فيصل بابكر يكتب.. مفاوضات جدة القادمة: داحسٌ وغبراء أم بشائر للسلام؟
أكملت حرب الخامس عشر من أبريل عامها الأول وما تزال عذابات الموت وأهوال الدمار والنزوح مستمرة. وبينما تعمل قطاعات واسعة من الشعب السوداني على إيقاف القتال بين الطرفين المتحاربين بشتى السبل, فإنَّ أصوات أولياء الحرب الداعية لإستمرار الحريق ما زالت تصكُّ الآذان وتُعيق كل مساعي الحلول التفاوضية.
قد أدلى المبعوث الأمريكي الخاص للسودان, توم بيريللو, بتصريحات تفيد بإستئناف منبر جدة للتفاوض بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع قريبا. ويؤمل السودانيون أن تؤدي جولة المفاوضات القادمة لتجاوز العقبات التي حالت دون الوصول لإتفاق وقف إطلاق النار في الجولات السابقة.
وفي محادثة هاتفية بين وزيري خارجية أمريكا والسعودية في 11 أبريل الجاري كان موضوع تصاعد مؤشرات الحرب ومفاوضات السودان في مقدمة الأجندة التي تمت مناقشتها.
وكذلك أجرى وزير الخارجية الأمريكي محادثة تليفونية مع نظيره المصري في 13 أبريل الجاري تناولت ضرورة استئناف مفاوضات جدة والجهود المبذولة لمنع وقوع مزيد من الأضرار على المدنيين.
وكانت جلسات تفاوض غير معلنة إستضافتها عاصمة مملكة البحرين في يناير الماضي بتسهيل من خمسة دول ( مصر, الإمارات, السعودية, البحرين, أمريكا) وبمشاركة نائب القائد العام للقوات المسلحة والقائد الثاني لقوات الدعم السريع قد نجحت في التوصل لإعلان مباديء للحل الشامل فضلاً عن التوافق بشكل كبير على إتفاق وقف العدائيات الذي تبقت فيه بعض النقاط القليلة العالقة.
وبينما تُثير نتائج مفاوضات البحرين التفاؤل بإمكانية الوصول لإتفاق نهائي لوقف العدائيات في جولة التفاوض القادمة في جدة ( بمشاركة الدول التي حضرت في المنامة), فإنَّ العائق الرئيسي الذي يقف في طريق الوصول للإتفاق يتمثل في موقف حزب المؤتمر الوطني المحلول و الحركة الإسلامية التابعة له الداعي لإستمرار الحرب حتى تُحِّقق القوات المسلحة نصراً ساحقاً على الدعم السريع.
من جانبها, تتبنى قيادة الجيش موقفين متضاربين تجاه قضية إستمرار الحرب و التفاوض والحل السلمي :
الموقف الأول عبَّر عنه نائب القائد العام للقوات المسلحة ,الفريق أول شمس الدين كباشي, الذي ندًّد بإستخدام أحزاب سياسية (تُقرأ المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية) لمعسكرات الجيش ورفع شعاراتها فيها, وهو الأمر الذي قابله مساعد القائد العام للقوات المسلحة, الفريق أول ياسر العطا, بتصريح مضاد رفض فيه إتهام الجيش بالتحالف مع المؤتمر الوطني ورحب بكل من يقاتل في صفوفه.
وفي الوقت الذي عبَّر فيه كباشي عن ترحيب الجيش بدعوات وقف الحرب والوصول للسلام الصادرة من كافة الوطنيين المتواجدين داخل وخارج السودان ومختلف منابر التفاوض, قال العطا فيما يشبه الرد على تصريحات كباشي أنه (لا تفاوض ولا هدنة مع ميليشيا الدعم السريع), وأضاف أنهم لا يأبهون لدعوات وقف الحرب (نقول نعم للحرب وللجهاد لإستئصال هذا السرطان).
يعتبر البعض أن هذا التباين في التصريحات ليس سوى تبادل للأدوار بين الجنرالات,ويجد هذا الرأي ما يدعمه من خلال سلوك قيادة الجيش طوال أشهر الحرب الماضية. إنَّ تحركات وقعت مؤخراً تُشير إلى أنَّ قيادة الجيش تعمل على الفكاك من قبضة حزب المؤتمر الوطني وذلك عبر صناعة حواضن سياسية بديلة تمنحها سنداً جماهيرياً بعيداً عن تأثير الأخير.
تمثلت تلك التحركات في تكوين ثلاثة تحالفات : الجبهة الشعبية السودانية برئاسة الناظر ترِك, تنسيقية القوى الوطنية برئاسة مالك عقار, وتحالف الخط الوطني الذي تقوده ساندرا كدودة, فضلاً عن الزيارة التي قام بها نائب رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل, جعفر الميرغني, لولايتي البحر الأحمر ونهر النيل للتعبير عن دعم قيادة القوات المسلحة.
من جهة أخرى, إستشعرت الحركة الإسلامية أن نوايا قيادة الجيش وراء خلق الحواضن والتحركات السياسية هى التحضير للذهاب لجولة التفاوض القادمة, فجاء ردها سريعاً عبر صحفي مقرَّب من دوائر إتخاذ القرار فيها وهو “عبد الماجد عبد الحميد” الذي أرسل تهديداً مكشوفاً لقيادة الجيش لم يستثن منه حتى ياسر العطا.
قال عبد الحميد: (على الرباعي في قيادة الجيش, برهان.كباشي.العطا. جابر, أن ينتبهواً جيداً), ومناط الإنتباه في حديثه أنه في حال إختارت قيادة الجيش السير في طريق التفاوض, فإنَّ الشعب السوداني (تُقرأ الحركة الإسلامية) سيضطر (لفرض قوته وتحديد خياراته في مواجهة مليشيا التمرد). وفي حال إصرار القيادة على التفاوض فإنه (ستكون هنالك حرب كرامة أخرى ضد الخونة والعملاء وكلاب صيد مليشيا التمرد السريع), مما يعني أنَّ الحركة الإسلامية لن تقبل بنتائج التفاوض وستخوض معركة ضد قيادة الجيش نفسها !
في آخر جولات التفاوض بمنبر جدة في أكتوبر الماضي قطع الطرفان المتحاربان شوطاً كبيراً في إبرام إتفاق وقف العدائيات وعندما إنتقلت المفاوضات إلى المنامة في شهر ينايرتم التوصل لإتفاق إعلان مباديء كامل, وكانت قد تبقت نقاط محدودة في إتفاق وقف العدائيات, غير أنه في كل مرةٍ كانت هذه الإتفاقيات تصطدم بعقبة المؤتمر الوطني ثم يلي ذلك تصعيداً حاداً في خطاب الحرب من قبل قيادة الجيش.
يؤكد مسار العمليات القتالية على الأرض أنَّ الحرب ستظل مستمرة بين كرٍ وفرٍ من الطرفين دون أن يكون هناك نصرٌ حاسمٌ لأحدهما, كما أن حوادث إطلاق المُسيَّرات مؤخراً أوضحت بجلاء أن السودان كله أصبح أرضاً للمعارك ولا توجد فيه منطقة آمنة من شرور الترويع والقتل والدمار, وفي هذه الأثناء تتفاقم معاناة ملايين السودانيين والسودانيات يوماً بعد يوم, و تتزايد مؤشرات تفكك البلد وانقسامها فضلاً عن تصاعد موجة التدخل الخارجي السلبي ونُذُرالحرب الأهلية الشاملة.
وإذ يطرح المواطن السؤال البسيط الصعب : متى تتوقف الحرب ؟ فإنَّ جانباً كبيراً من الإجابة على السؤال يتوقف بشكل حاسم على القرار الذي ستتخذه قيادة القوات المسلحة في جولة التفاوض القادمة, هل ستتماهى مع موقف الحركة الإسلامية الداعي لمواصلة القتال حتى تحقيق النصر الساحق أم ستمضي في طريق الحل السلمي المتفاوض حوله وتلتزم بنتائجه ؟
خلاصة القول : ستُعطي جولة التفاوض القادمة إجابة عن مستقبل الحرب في السودان, وهل ستستمر لسنوات طويلة قادمة كما حدث في بلدان أخرى (الصومال, سوريا, اليمن, ليبيا الخ ..), أم سيكون هناك حلاً وشيكاً يبدأ بالتوصل لإتفاق وقف إطلاق النار الذي يسمح بحماية المدنيين و توفيرالممرات الآمنة لوصول المساعدات تمهيداً لعودة النازحين واللاجئين ومن ثم إطلاق العملية السياسية لإستئناف المرحلة الإنتقالية.