الخرطوم: الصيحة
بدأت محكمة الأوسط أم درمان أمس الأربعاء، وسط إجراءات أمنية مُشَدّدة، مُحاكمة (41) من منسوبي جهاز المُخابرات العامّة، مُتّهمين بقتل المعلم أحمد الخير بمنطقة خشم القربة عقب اعتقاله على خلفية قيادته للتظاهرات الداعية لإسقاط النظام السابق ومُشاركته في موكب (الزحف الأكبر)، وتوفي الخير أثناء مُحاولة ترحيله من خشم القربة إلى رئاسة الولاية بمدينة كسلا بعد تعرُّضه للتعذيب بحسب التقرير الرسمي، وأشرفت شرطة المحاكم على الدخول لقاعة المحاكمة التي ضَرَبت حولها القُوّات النظامية طوقاً أمنياً واسعاً، وأجّل القضاة داخل المُجمع كل القضايا التي ينظرونها
بداية المُحاكمة
قام قاضي مَحكمة الاستئناف المُكَلّف مولانا الصادق عبد الرحمن الذي ينظر في القَضية بتسجيل المُتّهمين الـ(41) الذين حضرواً جميعاً، بجانب تسجيل هيئتي الاتّهام من الحق العام وتمثلها النيابة، وممثلي الاتّهام عن الحق الخاص والذين أودعوا كشفاً يحوي (66) محامياً، بجانب (4) من مُمثلي الدفاع عن المُتّهمين، رفضت المحكمة تمثيل (4) من الإدارة القانونية التّابعة لجهاز المخابرات العام ظهروا مُمثلين للدفاع عن المُتّهمين، مُعلِّلةً ذلك بأن ما يسمى بالإدارة القانونية بجهاز المخابرات ليست لها صفة قانونية للظهور ومُخاطبة المحكمة، واعترض ممثل الاتهام عن الحق الخاص الدكتور عادل عبد الغني، على ظهورهم كممثلين للدفاع، مُعلِّلاً ذلك بعدة أسبابٍ، منها بأنّ الخطاب الذي قدّموه مجهول الاسم والهوية، وأن الإدارة القانونية أداة للتنظيم الداخلي ولا يحق لهم الظُّهور أمام المُحاكمة كمُحامين ووكلاء النيابة والمُستشارين القانونيين من وزارة العدل.
خطبة الادّعاء
قدّم وكيل أول النيابة الطاهر عبد الرحمن، خطبة الاتّهام الافتتاحية أمام المحكمة، مُشيراً إلى أنّ النيابة العامة بذلت جُهداً في التّحرِّي والتحقيق، لتجد الإجابة واحدة وهي أنه قتل الأستاذ أحمد الخير، فلم تجد غير إجابة واحدة وهي أنه قتل لأنه كان يصدح بالحق، ويبغى العدل، وأنه كان يحلم بوطنٍ يسع الجمع وذلك حقٌ مشروعٌ له، وقال في يوم الخميس ٣١/١/٢٠١٩م، وكَانت مدينة خشم القربة تثور وتخرج على الظلم، كان الأستاذ أحمد الخير قد عَادَ لتوِّهِ من الخرطوم، قد أقعده تعب السفر من أن يكون في قلب المواكب التي كانت تَجُوب المدنية، ولكن كان أول من اُعتقل، فالرجل عُرف عنه قول الحق في وجه الظلم ومُلاحقة الفَساد والمُفسدين، فضمره له أهل الباطل، فوجدوا في خروج التظاهرات فرصة وسانحة لإسكاته وكسر عزيمته، فتم اقتياده الى مكاتب جهاز الأمن والمخابرات بخشم القربة، واستقباله بالضرب الإساءة والإهانة، قبل أن يُنقل إلى الحراسة التي قضى فيها تلك الليلة مع رفاقه من المُعتقلين، حتى أصبح صباح الجمعة وبعد صلاة الظهر التي صلاها المُعتقلون وإمامهم الأستاذ أحمد الخير، وجدوا أن قوة من جهاز الأمن بكسلا، وهم المتهمون الماثلون أمام المحكمة فسلّمهم قائد مكتب خشم القربة (المتهم الأول) لتلك القوة بوصية بالأستاذ أحمد الخير والذي وصفه بـ(رأس الهوس)، فهبّت القُوة بجمع أفرادها ومعها أفراد مَكتب خشم القربة (المُتّهمين)، يضربونهم بالسياط والعصي، ثم قرّروا نقلهم إلى كسلا، وفي الطريق لم يتحمّل جسده الألم، ولم تحتمل روحه الطاهرة الذل والهوان ليلفظ أنفاسه الأخيرة، وعندما أحس صاحبه الذي كان معه في العربة بتوقُّف تنفُّسه وسكون جسده، صاح (أحمد الخير مات)، أملاً أن يكون في صياحه ما يُوقظ ضمائرهم أو يدخل في قلوبهم الرحمة ويهبوا لإسعافه!! ولكن خاب ظنه عندما شاهدهم يضربونه بالسياط التي ما تَوقّفت إلا عندما تيقنوا بأنه قد فارق الحياة!! وعندما بدت لهم سوءاتهم طفق يخصفون عليها الأكاذيب ليواروا ما اغترفت أيديهم، فادعوا أنه مات مسموماً ببعض لقيمات، ليأتي تقرير الطبيب الشرعي جازماً بأنه مات نتيجة التعذيب الذي تعرّض له وقال (على الرغم من بشاعة جُرم المتهمين، إلا أننا في النيابة العامة على قناعةٍ تامةٍ بأن العدالة لا تتحقّق بإقامة العدل بين الناس، المذنب قبل البرئ، لذلك كان لزاماً علينا أن نضمن للمتهمين حقوقهم كاملةً بما يضمن تحقيق معايير المُحاكمة العادلة منذ مرحلة التحري وحتى مرحلة عرضهم أمام محكمتهم المُوقّــــــــــرة).
أقوال الشرطة
استمعت المحكمة لأقوال المُتحرِّي الأول الملازم أول محمد الحاج محمد، والذي قال: بتاريخ 2 فبراير من العام الحالي وعند الساعة الواحدة والربع صباحاً، وصل بلاغٌ لقسم الأوسط كسلا من المُبلِّغ ملازم جهاز المخابرات العامة عثمان ميرغني، قال في بلاغه إن المدعو أحمد الخير توفي لرحمة مولاه أثناء ترحيله من مدينة خشم القربة إلى كسلا عاصمة الولاية، وقال المتحري: تم فتح بلاغ بالمادة (51) إجراءات بالوفاة في ظروفٍ غامضةٍ واستخراج أورنيك (8) جنائي والتحرك إلى مكان وجود الجثة بمستشفى كسلا، وتم أخذ أقوال المُبلِّغ، وجاء التقرير بأن المريض وصل إلى المستشفى متوفياً، وأن أعضاءه الحيوية مُتوقِّفة ويُحوّل للمشرحة، وقال المتحري وبتوجيهٍ من وكيل النيابة أمر بتشريح الجثمان بولاية القضارف لعدم وجود مشرحة بولاية كسلا، وجاء بتقرير الطبيب الشرعي بالكشف على الرأس لم تثبت معالم تجمُّع دموي في الفروة والجمجمة خالية من الكسور، والمخ سليم من الإصابات الظاهرة، كما أنّ الوجه والأنف “سليمان” من الإصابات الظاهرة، وبالكشف على الصدر والبطن “سليمة” وتجويف الصدر والبطن “سليم” من الكسور الظاهرة، وقال: تم أخذ عينات دماء وعينة جزئية من الكبد وبعض من مُحتويات المعدة، بجانب انصاف الكليتين، واشار التقرير الى أن الأطراف سليمة من الإصابات ولم تثبت لها كسور ظاهرية، وقال: بالكشف على الجثة لم تثبت معالم إصابة أو معالم اتصال جنسي ولا يُوجد تهتُّك أو معالم إصابة بالقولون النازل بالمشيمة من خلال تشريح البطن، ولا تُوجد معالم إصابة للقضيب أو الخصيتين، وقال: بعد فحص وتشريح الجثة تبيّن وجود إصابات حيوية وحديثة في شكل كدمات منتشرة في الظهر وخلفية العضدين وفي الآلية اليمنى وبأعلى أمامية الفخذ الأيمن وبمُنتصف الساقين، ونتجت هذه الإصابات من آلة أو آلات صلبة أو مرنة أياً كان نوعها، بجانب أن نتيجة فحص العينات من السموم سلبية، مضيفاً بأن تقرير وفاة المذكور بالإصابات المذكورة في الجسم وما نتجت عنها من مُضاعفات حرّره اختصاصي الطب الشرعي عبد الرحيم محمد صالح بمستشفى القضارف.
وواصل المتحري في أقواله بالمحكمة بأنه قام بتحريز المعروضات وهي عبارة عن “فانلة داخلية بلون أبيض، وبنطلون أسود، وشورت بلون أزرق، إضافة لقميص بلون بيجي”، وعرضها أمام المحكمة ولم يعترض أيٌّ من الاتّهام والدفاع عليها.. وختم المتحري أقواله بأنه أخذ أقوال أحد المُعتقلين في تلك الفترة كشاهد اتّهام في القضية، وبعدها تم تسيلم البلاغ للمتحري الثاني وكيل أعلى نيابة تجاني عباس وحَدّدَت الثلاثاء القامة لمُناقشة المُتحرِّي الأول فيما قدمه والسماع للمُتحرِّي الثاني .