حرب 15 أبريل … ماني خايف
أبوعبيدة برغوث يكتب.. حرب 15 أبريل … ماني خايف
كانت الشمس في الخرطوم تجاوزت محطة الشروق عندما وقف الجندي أمام قائده أدم قارح بعد أن أعطاه التحية ليبلغه أن هناك قوة من الجيش تحاصرهم ثم إستدار بحركة خفيفة بدأ من خلالها كالدرويش الذي مسه الورع في حضرة الصالحين الذين تلد النساء ببركاتهم بإذن الله والذين يحولون الهزيمة إلى نصر بإذن ربهم.
تحرك القائد قارح في ثقة وعزيمة نحو قوة الجيش التي وصلت إلى بوابة المدينة الرياضية مستفسراً قائدهم عن سبب مجيئهم فكان رده لا شئ هناك كل خير وبحاسة البدوي العتيق أدرك الرجل أن هناك أمراً ما وعليه أن يستعد للمواجهة وعلى الفور جمع جنده وهم من أهل البادية المحاربين الأشداء الذين لا يعرفون الخوف ولا يعرف الخوف طريقاً إلى قلوبهم وهم بثقافتهم البدوية يكرهون المكر والخيانة وهذا دافع أخر للقتال والثبات والأخذ بالثأر حال تم قتل أحدهم هذه العوامل تحفزهم للقتال حتى لو تبقى منهم جندي واحد فإنه يقاتل إلى آخر رمق.
وحدث ماتوقعه قارح… وعندما هجم عليهم الجيش قاتلوا بثبات عجيب أربك حسابات المهاجمين وقتها وإنتصروا على القوة المهاجمة رغم انها كانت مدججة بالمجنزرات والطائرات. صحيح أنه وفقاً للحسابات العسكرية وما يمتلكه الجيش من عتاد حربي كبير وأفراد مدربين تدريب عالي فإن عملية عودة الإسلاميين للسلطة ستكتمل بإزاحة عقبة الدعم السريع بالقضاء عليه في وقت لا يتجاوز (6) ساعات إلى (48) ساعة وقتها يتم القبض على قادة القوى السياسية والناشطين.
وفق تلك الحسابات هاجم الجيش المدينة الرياضية وهو أحد أهم مواقع الدعم السريع ولكن تفاجأت القوى المهاجمة بشجاعة قائد الدعم السريع بالموقع المقدم قارح الذي أدرك أن الجيش خطط لمهاجمة قواته وعندنا إندلعت المعركة إنتصر الرجل على القوى المهاجمة بالعبارة ذاتها التي قالها الجندي التجاني محمود بشير الأسير بطرف كتائب البراء وهم يهتفون فرحين ولكنه صدمهم عندما قال لهم (ماني خايف)….
كان الجيش وكتائب الإسلاميين خططوا لمهاجمة كل مواقع الدعم السريع ففي معسكر كرري كانت هناك قوات تجهز للمغادرة إلى السعودية للمشاركة في عاصفة الحزم وهي قوة غير مسلحة إستهدفها الطيران الحربي وقتل عدد كبير من الجنود العزل وهم نيام.
وعن الأيام الأولى للحرب يقول جندي يتبع لقوات الدعم السريع عبر تغريدة له علي صفحته بالفيس بوك: قاتلنا بصمود وإستبسال (حينما كانت الخرطوم كثقب الإبرة علينا ونحن في كماشة مواقع الجيش المليئة بالقناصة والطيران الحربي يغطي سماء المنطقة ويضيف قاتل جنودنا دون أن يذوقوا الطعام وهم صيام في رمضان وقد دمر العدو كل مقراتنا ومخازن التموين ويمضي قائلاً صمدنا ونحن منعزلين عن بعضنا البعض بعد تدمير برج مركز الإتصالات الخاص بقواتنا والذي يقع في برج الدعم السريع الذي يحوي بداخله غرفة تحكم الإتصالات وأجهزة اللاسلكي ويزيد كنا نقاتل دون أن نجد العلاج أو الدواء للجرحى أو حتى المسكنات والشاش لأن الطيران قصف الوحدة الطبية بشمبات ولا نعرف أين ندفن شهداءنا أو أي طرق سالكه نحملهم الى حيث نجد لهم مرقداً تحت تراب هذا الوطن كنا نستريح ليلاً جنباً إلى جنب مع جثث الشهداء وأنين الجرحى يتصاعد لعنان السماء ليملأ صدرونا المثقله بالفاجعة صبراً وثباتا.
والحديث للجندي: كل منا يقاتل ولا يعرف مصير إخوته ورفاقه الذين إنقطع عنهم الإتصال وبعضهم قد نفذت ذخيرته وهناك شبه إنقطاع الأمل في وصول الإمداد، وقتها هرب من ليس له قضية وتواترت علينا الأخبار بأنه قد إستسلم الآلاف من قطاع الشرق وسلموا أسلحتهم للأعداء لأنهم يخافون الموت أو لأنهم لم يعايشوا عنف الدولة يوماً.
كل الذين تجندوا من أجل المصالح تخلوا عن إخوه أعزاء قاتلوا بشراسة بينما خرج اخرون بعتادهم صوب الخرطوم لإنقاذ إخوتهم لأنهم لم يعيشوا تحت خيرات أيلا ولم تقدم لهم الدولة ما قدمته لبورتسودان.
عاودنا إلتقاط أنفاسنا عندما إنتصرت تكبيرة الحق على تكبيرة دين الدقون بسوبا أرض المعسكرات وإنتصار إخوتنا في قاعدة الشر مروي وقتها هدأت سماء الخرطوم قليلاً وإنتصرنا في كل الجبهات وقضينا على صلابة أغلب المواقع في الخرطوم.
تماسكنا عندما خرج العقيد البيشي من كماشة الدمازين بنصر كبير ودخول مدفعية الجيلي لتعزز عمق الخرطوم صمدنا بقتال الإستماتة للقائد الفريق أول محمد حمدان حميدتي وهو يقود قواته بنفسه ليخترق بها حصون القيادة وإستبسال القوة الخاصة بالقصر الجمهوري. لقد خرجنا من تحت حطام مجنزرات لواء الباقير فنحن لم نمت من وقتها ولا زلنا أحياء.
وأنا أطالع ما دونه هذا الجندي أدركت أن قوات تضم في صفوفها أمثال هؤلاء المقاتلين يصعب التغلب عليهم وجمعيهم يردد العبارة ذاتها ماني خايف.
سلام يا صاحبي