قسمة، المرأة ذات العيون الحزينة والصوت الهادئ، واحدة فقط من بين ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات نزوح بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم في السودان، حيث اندلعت حرب أهلية قبل عام بين الجيش وقوات الدعم السريع، فيما تواجه البلاد الآن، ما تقول الأمم المتحدة إنه “أسوأ أزمة جوع في العالم”.
وكالات
تمر قسمة عبد الرحمن علي أبوبكر بطابور انتظار طويل لاستلام حصتها الغذائية، ولكن دون أي حماس أو اهتمام، بعد أن توفي 3 من أطفالها بسبب المرض وسوء التغذية في الأشهر الأربعة الماضية.
تقول في شهادتها لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن الأكبر كان يبلغ من العمر 3 سنوات، وكان عمر الثاني سنتين، بينما لم يتجاوز الأخير 6 أشهر.
ونزحت قسمة إلى مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، وهو جزء من منطقة في غرب البلاد، تتوالى فيه التحذيرات من أزمة تغذية كارثية.
وتقول المنظمة الطبية غير الحكومية (أطباء بلا حدود) إنها وجدت في يناير، أن طفلا واحدا على الأقل في المخيم يموت كل ساعتين. مع القليل من الطعام والمياه النظيفة أو الرعاية الصحية، فإن الأمراض التي كان من الممكن علاجها في السابق تقتل الآن.
ووجدت المنظمة التي تعد واحدة من آخر الوكالات الإنسانية الدولية الموجودة على الأرض في دارفور، أن 3 من كل 10 أطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، وكذلك ثلث الأمهات الحوامل والمرضعات، مما يؤكد المخاوف من “كارثة”، كان مسح سابق قد أشار إليها.
هذا ضعف عتبة حالة الطوارئ الغذائية، وربما مجرد جزء صغير من أزمة الجوع في السودان، كما يقول عبد الله حسين، مدير عمليات أطباء بلا حدود في السودان.
وقال في المقر الإقليمي لمنظمة أطباء بلا حدود في العاصمة الكينية نيروبي: “لم نصل إلى جميع الأطفال في دارفور، وليس حتى في شمال دارفور، نحن نتحدث عن مخيم واحد فقط”.
وتكشف قسمة، أنها لم تستطع تحمل تكاليف اصطحاب أطفالها إلى المستشفى أو شراء الدواء، مضيفة “توفي طفلي الأول في الطريق إلى المنزل من الصيدلية، وتوفي الثاني بعد 6 أيام بسبب سوء التغذية”. فيما مرض الطفل الرضيع وتوفي بعد 3 أيام.
وكانت عائلة قسمة من صغار المزارعين مثل الكثيرين في دارفور. لقد كافحوا لزراعة ما يكفي من الغذاء، غير أن أعمال العنف وانعدام الأمن في الحرب، أدت إلى تضرر نشاطهم الفلاحي.
كان مخيم زمزم هشا بالفعل، تشكَّل من النازحين الذين وجدوا أنفسهم في خضم العنف العرقي قبل عشرين عاما، ويعتمد بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية، غير أن لكن إمدادات الغذاء توقفت مع الحرب. وتم إجلاء معظم وكالات الإغاثة مع سيطرة قوات الدعم السريع على مساحات شاسعة من المنطقة.
وأضافت الشبكة، أن نقل إمدادات جديدة عبر خطوط الصراع يبقى شبه مستحيل. ويكشف عمال إغاثة، أن السلطات العسكرية السودانية بطيئة جدًا في إصدار تأشيرات وتصاريح السفر الداخلية.
وقد أغلق الجيش طرق البر من تشاد المجاورة، قائلاً إنه يحتاج إلى وقف شحنات الأسلحة إلى قوات الدعم السريع.
وتخفف هذا الحاجز قليلاً بالنسبة لإمدادات الغذاء، وتمكن برنامج الأغذية العالمي مؤخرا من إيصال قافلتين، لكنها تظل غير كافية على الإطلاق نظير حجم الاحتياجات الإنسانية المتزايدة بالسودان.
ويقترن نقص الغذاء بانهيار الخدمات الصحية. ففي جميع أنحاء البلاد، لا يزال ما بين 20 إلى 30% فقط من المرافق الصحية تعمل.
أحد هذه المستشفيات هو مستشفى “بابكر نهار” للأطفال بمدينة الفاشر بالقرب من مخيم زمزم، والذي يضم مركز تغذية علاجية للأطفال وعلاج العناية المركزة لأسوأ الحالات.
يقول الطبيب عز الدين إبراهيم، إن المستشفى كان يتعامل مع حالات سوء التغذية قبل الحرب، لكن الآن “تضاعفت الأعداد”.
وتابع: “بعد كل شهر تتزايد الأعداد، على الرغم من أننا كنا نتوفر في شمال دارفور على نظام وبرنامج غذائي كامل استمر لكنه انتهى بسبب الحرب”.
وبالرغم من الأوضاع الصعبة في هذا المستشفى، إلا أن الوضع فيه يبقى أفضل بكثير من بعض الأماكن الأخرى الأكثر عزلة ويأسا، وفقا لـ (بي بي سي)، التي أشارت إلى توصلها من عامل طوارئ إقليمي صورا من مناطق في الإقليم أطلق عليها عمال الإغاثة “ثقبًا أسود” في المساعدات الإنسانية.
وتظهر إحدى الصور طفلة نحيلة تبلغ من العمر 3 سنوات من مخيم كلمة للنازحين في جنوب دارفور، اسمها عليها اسم إحسان آدم عبد الله، توفيت الشهر الماضي، بسبب سوء التغذية.
وتُظهر صورة أخرى صبيا صغيرًا نحيلا بنفس القدر، من مخيم (قنوبيا) في وسط دارفور. سجلت والدته، فاطمة محمد عثمان، مقطع فيديو تتوسل فيه للحصول على مساعدة لإطعام أطفالها العشرة – أي شيء، كما تقول، حتى لو كان “شيئا بسيطا – إنهم يعيشون بين الجوع والموت”.
وتعمل منظمة (أطباء بلا حدود) على وشك افتتاح مستشفى خيام سعة 50 سريرا في زمزم، وتناشد وكالات المعونة الدولية الأخرى بالعودة لتقاسم العبء الإنساني الثقيل.
يقول السيد حسين: “نحن بحاجة إلى تعبئة هائلة للمساعدات الإنسانية للوصول إلى السكان المعزولين”، بالإضافة إلى الوصول مع “تبسيط التصاريح والتأشيرات وفتح الحدود”، واحترام العاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية المدنية.