النوبة.. أسطورة “بلاد الذهب” تمتد من مصر إلى السودان
“مشتاقين يا ناس للبيت / لنبع الحبايب / لبلاد النخيل والغيط / هيعود اللي غايب / مشتاقين يا ناس لبلاد الذهب”، ترسم هذه الكلمات التي تغنى بها الملحن والمطرب الراحل أحمد منيب، أحد صناع أسطورة الكينج محمد منير، صورة عن الشجن والحنين لبلاد يمتد عمرها آلاف السنين وتستقي أسطورتها كحضارة قديمة صنعت التاريخ ولامست فجر الإنسانية وتنضح بالمحبة والسلام.
إنها بلاد النوبة التي يرجح أن يكون اسمها مشتقاً من “نوب” أو”نوبو” باللغة الهيروغليفية القديمة بمعنى “الذهب” نظرا لأنها ضمت الكثير من مناجم الذهب عبر العصور، بينما يطرح البعض فرضية أن الاسم مشتق من كلمة قبطية هي “نوبت” بمعنى “صاحب الشعر المجعد” في إشارة إلى السمات والملامح التي تميز الأهالي في المنطقة الممتدة من أسوان بجنوب مصر حتى شمال السودان.
وعُرفت تلك البلاد ذات الخصائص الثقافية والتاريخية والعرقية المميزة بمسميات عديدة عبر ماضيها السحيق الذي يمتد بحسب بعض الدراسات إلى زمن العصر الحجري الحديث، أي قبل نحو 10 آلاف عام. ومن تلك الأسماء ” تا – ستي” بمعنى “أرض القوس” أو ” أرض رامي السهام” نظرا إلى براعة النوبيين تاريخيا في استخدام الأقواس ورمي السهام حتى أن العرب أطلقوا عليهم بعد الفتح الإسلامي “رماة الحدق”.
ودفعت شدة الحرارة وأيام الجفاف في فصل الصيف أهالي تلك البلاد إلى تتبع مجرى نهر النيل ليعيشوا على ضفافه وينشئوا حضارة لافتة بفضل مياهه ويصبحوا شعبا نهريا بامتياز يتسم بالتحضر والتسامح والعذوبة وتقبل الآخر وهو ما يُعرف عن النوبيين اليوم.
ومن النوبيين خرج أحد أشهر ملوك الفراعنة وهو “مينا ” موحد القطرين كما استعان بهم “أحمس الأول ” في إعادة بناء جيش مصر والتصدي للهكسوس الغزاة. وعندما احتل الرومان مصر، جاء القائد “بترونيوس” إلى النوبة للاستيلاء على مناجم الذهب فتصدت له الملكة النوبية “أماني – ري ناس” وألحقت به الهزيمة في أول الأمر إلا أن قواتها انسحبت فيما بعد إلى شمال السودان ليحتل الرومان “النوبة السفلى” الواقعة ضمن حدود مصر أما “النوبة العليا” فظلت ضمن حدود السودان.
وتملك النوبة عدداً من أعظم المعابد الأثرية في العالم لعل أشهرها معبد “أبو سمبل” الذي ينطوي على طراز معماري لا نظير له ويعود تاريخه إلى أكثر من 3 آلاف عام ويطلق عليه البعض لقب “سيد المعابد”. ويروي الرحالة السويسري يوهان بوركهارت أنه رأى المعبد للمرة الأولى علم 1812 مطمورا في معظمه تحت الرمال ولا يظهر منه سوى بعض الأجزاء الصغيرة لأعمدة وتماثيل فكتب تقريرا عنه وسلمه لدى عودته إلى القنصل البريطاني في القاهرة الذي أرسل مكتشفا إيطاليا على رأس بعثة علمية في 1816 نجحت في استخراج المعبد من براثن الرمال.
وتتسم النوبة بملامح فارقة في التصميم المعماري للبيوت التي يتم طلاؤها بالأبيض أو بالألوان المبهجة القوية كما أن الزي التقليدي لأبناء المكان يمنح الفرصة للتحرر من الملابس العصرية الخانقة والانطلاق في جلباب أبيض و”طاقية” ملونة تغطي الرأس. وتبرع النوبيات في العديد من الحرف التقليدية أبرزها صناعة الأواني الفخارية والسلال التي تُصنع من الخوص وكذلك “الحصير”، فضلا عن غرام النوبيين بالحلي والذهب ودق الوشم.
نقلاً عن إرم نيوز