الدعم السريع يقلب موازين القوى العسكرية في الحرب
د. عبد المجيد عبد الرحمن أبوماجدة يكتب… الدعم السريع يقلب موازين القوى العسكرية في الحرب
“1”
منذ بداية الحرب التي شنها جيش الفلول وبما تسمى كتائب الحركة الاسلامية الجهادية “الارهابية” وجهاز الأمن والمخابرات “بهيئة عملياته” على قوات الدعم السريع في أواخر شهر رمضان 2023م من العام الماضي.
هذه الحرب بدأت بصورة دراماتيكية أذهلت جميع المراقبين والمحلليين العسكريين والأمنيين للشؤون العسكرية والأمنية في السودان.
إنّ هذه الحرب ظلت تتطور من حين لأخر وأدخلت فيها جميع أنواع الأسلحة التي يمتلكها الجيش السوداني من طائرات ومجنزرات وأسلحة ثنائية ورباعية مساندة كلها دخلت ميادين القتال.
إضافة على ذلك كله التدريبات العالية والتأهيل المتقدم الذي تحظى به قيادات الجيش الذين تخرجوا في الكلية الحربية والتي يطلق عليها “صناعة الأبطال وعرين الرجال” وتدربوا كذلك في الداخل والخارج ولديهم خبرات تراكمية في فنون القتال والحروب ولديهم من الأنواط والنياشين التي تزين أكتافهم وترصع صدورهم ما تنؤوء من حمله الجبال الراسيات.
في حين إنّ قوات الدعم السريع لا تمتلك سوى الأسلحة الخفيفة والأسلحة المساندة لها وبذات العربات ذات الدفع الرباعي.
فكان التفوق العسكري من عتاد وآليات ومطارات ودعم لوجستي وخبرات تراكمية وتأهيل يتفوق به الجيش على قوات الدعم السريع وعلى الرغم من ذلك كله فقد أبلت قوات الدعم السريع بلاءاً حسناً وواجهت كل هذه الآليات الحربية والخبرات العسكرية التي يتمتع بها قادة الجيش وجنرالاته أصحاب النياشين والأنواط والدورات والتدريبات بكل شجاعة وبسالة وبصدور عارية لا تهاب الموت أبداً، بل تفوقت قوات الدعم السريع بثبات جندها وشجاعتهم وبسالتهم في ميادين الوغى والنزال والمعارك التي فاقت أكثر من مائتي معركة ومتحركات مختلفة لكل الفرق من الولايات المختلفة كل هذه المعارك انتصرت فيها قوات الدعم السريع انتصارات باهرة والحقت هزائم كبيرة مُني بها الجيش الذي يزيد عمر تكوينه أكثر من مائة عام
كما هُزمت أيضاً فلول الحركة الاسلامية بكتائبها المختلفة شر هزيمة والتي تقاتل جنباً إلى جنب مع الجيش الذي لم يفتح الله بصائر جنرالاته لتغيير الخطط والتاكتك واستبدال إستراتيجية جديدة في الحرب ليكسب فيها ما خسره طيلة الأشهر الماضية.
“2”
في الأسبوع قبل الماضي وفي لحظة أشبه بالنصر المؤزر وكسب الحرب “كلها” إحتفل قادة الجيش وفلول النظام البائد وكتائب البراء بانتصارهم المحدود في مبنى الإذاعة والتلفزيون بامدرمان وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها كما بث إعلامهم في “الميديا” هذا الانتصار وشبهوه وكأنه إنتصاراً بازخاً بكسب “الحرب كلها” بعد ما أدخل الجيش مسيرات جديدة في ساحة الحرب وخبراء أجانب من شتى الدول يعملون مع الجيش في العمل الفني والتقني خاصة الجوانب المتعلقة “بالمسيرات” ومنصات إطلاقها.
على الرغم من النشوة العابرة بهذا الانتصار اللحظي وعبره لاحظنا الوفود تلو الوفود القادمة من بورتسودان والقضارف ومن كرري ووادي سيدنا تبارك هذا النصر، كما شاهد الكثير من المراقبين صوراً للتوم هجو وإشراقة سيد محمود الوزيرة السابقة ومصطفى “تمبور” وآخرين يتصورون في مبنى الإذاعة والتلفزيون ويوزعون الابتسامات “الصفراء” فرحاً بهذا الانتصار.
كما سبقهم في ذلك قائد كتائب البراء الذي قام ببث صوراً له من داخل مبنى الاذاعة والتلفزيون.
إنّ هذه الفرحة العابرة لم تدم طويلاً فسرعان ما تحولت إلى النقيض وإنقلب السحر على الساحر بعد ما قلب الدعم السريع طاولة موازين “القوى” في الحرب الدائرة الآن وأدخل عنصر المفاجأة في هذه الحرب وذلك بإدخاله آليات ومعدات عسكرية جديدة إلى أرض المعركة فاجأ بها الجميع حتى المتابعين والمهتمين بشأن الحرب الدائرة في السودان.
“3”
إنّ هذه الحرب الدائرة الآن بين الجيش وفلول النظام وواجهات الحركة الإسلامية من جهة، وقوات الدعم السريع من الجهة الأخرى، دخلت عامها الأول وأخذت منحى آخر من دون أن تحسم الحرب “عسكرياً” لطرف من الأطراف بما يسمى “بتوازن القوى” العسكرية.
فعلى الرغم من التقدم المستمر والمدهش لقوات الدعم السريع والسرعة الفائقة التي امتازت بها قوات الدعم السريع وبإسقاط فرق كبيرة في ولايات مختلفة والسيطرة الكاملة عليها، إلاّ أنّ جنرالات الجيش ما زالوا حتى اللحظة لم يقدموا البدائل المقنعة والعملية لكسب الحرب.
إنّ قوات الدعم السريع في بداية الحرب لم تمتلك لواءً واحداً على امتداد ولايات السودان الثمانية عشر.
أما اليوم وفي ظل التمدد المستمر لقوات الدعم السريع أصبحت تبسط سيطرتها على أكثر من تسعة ولايات “بفرقها وألويتها” المختلفة وما زالت قوات الدعم السريع بمتحركاتها المختلفة التي تعتبر قوات إحتياط لم تدخل أي معركة تزحف “جحافلها” لبقية الولايات الأخرى لتحريرها من قبضة الجيش والفلول وكتائب البراء.
فهنا يتسائل المرء كيف لجنرالات الجيش بقواتهم العسكرية “البرية والبحرية والقوات المحمولة جواً” وبآلياتهم الحربية والتسليح الذي يفوق تسليح قوات الدعم السريع أن تفرط في هذه الفرق والألوية وتسقط فرقة وأخرى ولواء وآخر من دون أن تضع جنرالات الجيش أدنى مسؤولية لهذا السقوط المدوي للفرق والألوية؟.
يبدو أنّ جنرالات الجيش فقدوا المقدرة على العمل واتباع خطط أو إستراتيجيات بديلة لاستراجاع هذه الفرق والألوية والولايات التي سقطت في يدي قوات الدعم السريع و بسطت فيها سيطرتها الكاملة عليها.
لذلك نجد قادة الجيش رجعوا إلى حيلة “العاجز”وعوضوا هذه الخسائر والهزائم المتتالية بالقيام بدغدغة مشاعر المواطنيين السودانيين بما عرف بالاستنفارات الشعبية وذلك من أجل التحشيد العسكري والقبلي للمواطنيين لحمل السلاح من أجل إستراداد هذه الفرق والألوية والولايات التي سقطت في أيدي أشاوس قوات الدعم السريع.
“4”
إنّ قوات الدعم السريع لبت النداء الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بوقف إطلاق النار في شهر رمضان الكريم والنداءات المتكررة من مجلس الأمن الدولي الذي ناشد طرفي الصراع في السودان بعمل هدنة في شهر رمضان المعظم ووقف القتال بين الطرفين.
إلاّ أنّ قادة الجيش وكتائب الحركة الاسلامية خرقوا هذه الهدنة واستهدفوا قوات الدعم السريع أثناء انسحابها من محيط الإذاعة وتم قصف قوات الدعم السريع بواسطة المسيرات أثناء انسحابها الأمر الذي اعتبره الجيش إنتصاراً كبيراً على قوات الدعم السريع.
فلم يمضي الوقت طويلاً حتى فاجأة قوات الدعم السريع الجيش وفلول النظام وكتائب البراء بدخول أحدث ما توصلت له التكنولوجيا العسكرية بحيث أدخلت قوات الدعم السريع مسيرات موجهة ومنظومات دفاعية تعمل بالنظام الرقمي وصواريخ بالستية قصيرة المدى.
هذه الأسلحة والمنظومة الهجومية والدفاعية المتطورة التي امتلكتها قوات الدعم السريع غيرت موازين “القوى” العسكرية والإستراتيجية واستهدفت بها قوات الجيش والفلول والكتائب الجهادية في مقتل بحيث قصفت منظومة الدعم السريع طائرتان في وادي سيدنا الأولى بعد هبوطها في مدرج المطار مباشرة والأخرى عندما هم كابتنها بالإقلاع من المطار وكان الاستهداف بصورة دقيقة جداً.
وايضاً استهدفت المنظومات الجديدة لقوات الدعم السريع مقار الجيش في القيادة العامة وسلاح الإشارة والمهندسين والفرقة “22” بابنوسة فكانت نسبة إصابة الأهداف كبيرة للغاية وبدقة عالية.
إنّ إدخال قوات الدعم السريع لهذه المنظومات الدفاعية والهجومية والصواريخ البالستية قصيرة المدى أربكت كل حسابات جنرالات الجيش وتركتهم في حيرة من أمرهم.
هناك معلومات تشير بأنّ قوات الدعم السريع امتلكت منظومات دفاعية وهجوية وأسلحة أخرى متطورة تعمل إلكترونياً يمكنها أن تصيب الأهداف الثابتة والمتحركة على بعد مسافة “1300” كيلو متر.
هذه الأسلحة المتطورة التي امتلكتها قوات الدعم السريع يمكنها أن تعجل في حسم المعركة عسكرياً أو تجبر جنرالات الجيش وقادة الحركة الاسلامية بالعودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات بمنبر جدة.
يقول الشاعر:
إنّ الايام من الليالي حُبالى
مثقلاتٍ يلدنّ كلّ عجيب
كاتب وباحث سوداني
صهيل الخيل