ياسر عرمان يكتب.. السفيرة أم حمد التي هبرت وعبرت.. حديث في مأساة الجيش والحركة الإسلامية
إذا ذهبنا خلف الغضب وقلة حياء الإسلاميين والجماعة وقوة عينهم على طريقة على عينك يا تاجر، فإن حديث السفيرة أم حمد هو أهم حديث منذ قيام الحرب بالصوت والصورة في تأكيد اختطاف مؤسسات الدولة وتسيسها وعلى رأسها القوات المسلحة.
ينطوي حديث السفيرة أم حمد على مأساة عميقة ومعقدة تتلخص في أن الإنقاذ دولة وليس حكومة عابرة والسفيرة أم حمد تحت ظلال النظارات لا تحت ظلال القرآن، تتطاول على الشعب وثورته وعلى الجيش، وبدت في حديثها وحركتها الإسلامية كساعة الحائط المعطوبة تصيب مرتين كل أربعة وعشرين ساعة، وإن توقفت عن العمل فهي في المرة الأولى أصابت الهدف بدقة، فقد أرادت أن تقول بزهو وطاؤوسية وانتفاش أوداج أنها هبرت وعبرت، وهي اليوم ذات سطوة ونفوذ، حققت مع كبار ضباط القوات المسلحة في الخدمة والمعاش بمن فيهم الأعمام والأخوال كما ذكرت! وبإمارة من الحركة الاسلامية، كما حاولت الانتصار لنفسها (النفس أمارة بالسوء) وقدمت نفسها (بقشرة جديدة) وتقمصت شخصية قيادي من الطراز الأول فات الكبار والقدرو، والعجيب لجنة تحقيق الشخص الواحد مثل مسرح الرجل أو المرأة الواحدة، وقد تفوقت على علي عثمان والجاز ونافع وربما تخيلت إنها حسن الترابي لهذا الزمان وإنها أصبحت من المراجع العليا وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام.
في المرة الثانية أصابت السفيرة ام حمد وأقرت دون مواربة أن الجيش مسيس وتحت قبضة الجماعة الإسلامية من ناحية ومن الناحية الأخرى أقرت أن الحركة الإسلامية تنظيم معسكر وليس مدنيا بل له جناح عسكري بعرض وطول القوات المسلحة.
الإصابة الدقيقة التي أحرزتها السفيرة أم حمد في المرة الثانية أوضحت أيضاً بجلاء أن الحركة الإسلامية داخلة (بصرفتين) مرة بنافذة الجيش وأخرى بنافذة (غندور المعتدل!!) مع إدعاء عرضه السموات والأرض بأن المؤتمر الوطني تنظيم مدني والقوات المسلحة جناحه العسكري، والحقيقة إنهم سيدخلون بثلاث (صرفات) أو أربع أو خمس، فهنالك الدرديري محمد أحمد للحركة الإسلامية وأميرة الفاضل لجماعة تِرك وجمال عنقرة للحراك الوطني وواجهات تناهز المية غير المنسية والحمد لله رب العالمين.
حينما استمعت لحديثها في المرة الأولى غضبت وتذكرت محاربي الجيش الأشداء في الأراضي الساخنة مثل العقيد عبدالرحمن بلاع، والعميد فرح آدم فرح، والعميد عثمان عبد الرسول الضو، والمقدم سالم سعيد، وسرحت قليلاً ماذا لو شاهد السفيرة أم حمد وهي تتحدث كل من الفريق أحمد محمد أول قائد للجيش وأحمد عبد الوهاب وحسن بشير نصر وأبو كدوك والمقبول وعوض خلف الله وعبد الماجد حامد خليل وغيرهم، كيف سيكون رد فعلهم؟
التقيت للمرة الأولى بالسفيرة أم حمد خلال مفاوضات السلام في 2004، كانت مسؤولة عن مجلة الاتجاه الإسلامي للطلاب في الجامعات وأجرت معي مقابلة وقدمت نفسها على إنها من جيل جديد يسعى للحوار والديمقراطية وها هي الآن تحقق مع كبار ضباط الجيش! فكل شيء محتمل وحتى العودة إلى سنار، فهي مجذوبة للسلطة ومنسية من الفكرة.
دعنا نكون إيجابيين ونقول إن السفيرة أم حمد “أول أمراة سودانية” تحقق مع كبار ضباط الجيش الذين لا يسلمون السلطة إلا لحكومة منتخبة! ولا يعترفون بثورة غير منتخبة! ويقبلون بتحقيق السفيرة أم حمد غير المنتخبة!! بل يوقعون على إفاداتهم بإذعان!!
أخيراً السفيرة أم حمد تدرك مأزق الحركة الإسلامية ومأزق الجيش، فالجماعة لا جيش قومي ومهني أبقت ولا لمشروع اسلامي اتجهت، فهي أفسدت الجيش وخربت الجماعة وأساءت للإسلام، فالجماعة اليوم مجرد عصابة أمنية مستندة على بندقية الاستبداد وبقاعدة اجتماعية ضيقة وتوجهات إثنية ترفع الرؤوس بداعشية على أسنة الرماح وتنبش القبور ولا تجلب سوى الحروب والقمع وسيقاومها الشعب على طريق الثورة، ومشروعها غير قابل للاستدامة سيما بعد ثورة ديسمبر الجيل الجديد الذي يرنو نحو غدِ أكثر إشراقاً.