في النساء والثورة..!

“الزواج هو أطول وردية حراسة في التاريخ، والرجال هم أكثر المُجنّدين نزوعاً نحو قَدّ السِّلك”.. الكاتبة..! 

عَزيزتي مُنى..

أعلم أنّ رسالتي هذه ستروق لك، لأنّني أعرف جيداً دفاعكِ عن قضايا المرأة من خلال ما تكتبين، وأتوقّع أن تقومي بنشرها – ليس إلى نصفين بالطبع، بل في هذه المساحة “يا قولك” – مع تَنويهٍ يَصفني بإحدى صديقات العَمُود، لأنّني أتوقّع أنّكِ تذكرين أنّني قد راسلتك كثيراً من قبل..!

كُنت في رسالةٍ سابقةٍ أشكو من علاقة زوجي بأُخرى، فكتبت لكِ لأنّكِ فعلاً صديقتي، هكذا اعتبركِ. وقبل سنواتٍ مَضَت كتبت لكِ عن رأيي في سُلُوك بعض المُعلِّمين في المدارس، يومها كُنتِ غاضبة جداً من أستاذ ابني البكر، لأنه قام بتعنيفه بقسوة أمام زملائه في الصف، على خطأ تبيّن لاحقاً أنّه لم يرتكبه..!

المُهم يا سيدتي.. أكتب لكِ اليوم عن أشواق مُعظم النساء بشأن التّغيير الذي يطمحن في أن تحدثه هذه الثورة في سلوك الرجال – الأزواج منهم على وجه الخُصُوص -..!

على المُستوى الشخصي وكسيدةٍ وربة منزل ومُواطنة سودانية مُتوسِّطة الحال والخبرة والتعليم – أحمل شهادة بكالوريوس  كَشأن مُعظم ربّات المنازل – دعيني أخبركِ عن ما كان يدور في قعدات الجَبَنَة بيني وجاراتي عندما يخرج الرجال إلى العمل ويذهب الأولاد إلى المَدارس، من اجتماعاتٍ جادّةٍ تَجَاوزت القطيعة في الأُخريات والشّكوى من مُعاملة الرِّجال إلى مُناقشة آليات الدلو بدلاء ربّات المنازل في أيّام الثورة وتوزيع مهام تجهيز الطعام والمَشروبات للمُرابطين في ميدان الاعتصام..!

كُنّا نخبز الكيك والفطائر ونعد الساندوتشات ونقوم بتغليفها ونحن نحلم بغدٍ اجتماعي وأُسري أفضل للنساء في هذا الوطن، ليس سذاجةً منا، ولكن لأنّنا نعلم أنّ الناس دوماً يكونون على دين ملوكهم، وأنّ ثلاثين عاماً من القهر والظُّلم والفَساد والحُكم بغير ما يرضى الله لا بُدّ أن تُؤثِّر بشكلٍ دامغٍ على طبائع الشعوب..!

أرجو أن تُصدِّقيني إذا قلت لكِ إنّ الرجال قد طَغوا وتجبّروا وعاثوا في النساء فساداً في فترة حُكم الإنقاذ، حيث كان زواج المثنى والثلاث والرباع – دُونما عُذرٍ أو تقصيرٍ – مُباركاً طالما كَانَ الرِّجال مُقتدرين ولا عزاء للنساء.. ولأنّ الفهم كذلك تطوّرت أنانية الرجل وأصبحت لا تُطاق، وتدنّت نظرة الرجال إلى النساء، واختزلتهن في الجمال والأُنوثة، فلا شراكة حقيقية في بناء الأسرة، ولا تقدير حقيقي لأدوارهن العَظيمة العَميقة التي اختزلها مُعظم الرجال طيلة العُقُود المَاضية في حفظ النوع والطبخ والتّزيُّن لأجلهم وتربية الأبناء، في مُقابل “بُعبُع السترة”، فالرجال باتوا يعتبرون الزواج من النساء – مُجرّد مبدأ الزواج – سبباً للطلوع فوق رؤوسهن..! 

فزوجة المُقتدر المُتحمِّل لأعباء قوامته، مُهَدّدة بزواجه من أخرى إن لم يكن أُخريات، وزوجة الذي لا يتحمّل المسؤولية ولا ينفق ولا يجتهد حتى لكسب العيش الذي يُمكنه من الإنفاق، مُهدّدة بالطلاق إن هي لم ترضَ بأن تلعب دورها ودوره في آنٍ واحدٍ. من الخروج إلى العمل والإنفاق عليه وعلى أبنائه إلى تحمُّل أعباء خدمته كَافّة وتلبية طلباته ومُتطلبات منزله – إن لم يكن بنفسها فبأن تدفع مرتب الشغّالة – وكله لأجل خاطر “سترة الحال” التي يراها الرجال “بُعبعاً” يخيف النساء فقط بينما لا يكترث له الرجال، لأنّهم رجالٌ وكفى..! 

عَزيزتي مُنى.. 

اتّفق تماماً مع ما أشرت إليه قبل أيّامٍ في أحد مقالاتكٍ، مُشكلة النساء في بلادنا ليست في التّعليم ولا في المَناصب.. مُشكلتهن هي نظرة الرجال إلى طبيعة أدوارهن في الشراكة الاجتماعيّة، ونظرتهم إلى مكانتهن في هذه الحياة، على وجه العُمُوم..! 

وإذا لم تُغيِّر هذه الثورة – بكل شعاراتها الحضارية الداعمة للعدالة السِّياسيَّة والإنصاف الاجتماعي – مثل هذا الواقع، فهي ليست الثورة التي آمنا أنّها تمثلنا نحن نساء السودان..! 

سيدة سودانية

منى أبوزيد

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى