رفع الغطاء!!
صباح محمد الحسن تكتب.. رفع الغطاء!!
والقاهرة تمد حبال الوصل وداً وترى أن جهدها يحتاج المزيد لطالما أن الوساطة فسحت لها في مجالس الحل مطرحاً للغوص أعمق في جذور الأزمة السودانية.
ولأن مصر بيدها كثير من الخيوط التي نسجتها لمحاولة هزيمة حركة التغيير في السودان والحد من تمدد تيار الثورة الجارف، لطالما أنها كانت داعمة للأنظمة الديكتاتورية وعازفة جيدة لسيمفونية الإنقلابات في السودان، التي تحقق لها مصالحها، آن الآوان لتنقض غزلها معهم.
ولاشك أنه سيكون لها تأثيرها القوي والفاعل أكثر من أي دولة، ليس لعلاقاتها العميقة والإستثنائية بالسودان وحسب ولكن لأنها قادرة على كبح جماح الذين تتوق أنفسهم لإراقة كل الدماء الذين ظلوا يراهنون على أن الحل لن يحدث إلا بإستمرار الحرب فالذي يعلم خبايا وأسرار خطاياك وجرائمك هو وحده القادر لحملك على حمالة العقاب.
فمنذ أن وجهت مصر الدعوة الأولى لعبد الله حمدك لزيارتها أحدثت تلك الخطوة إضطراباً واضحاً في الخطاب السياسي السوداني وأظهرت مشاعر السخط والغضب عند قيادات الحرب وخرج العطا ملوحاً بأنهم لن يسلموا السلطة للمدنيين وسبقه علي كرتي بقوله أنهم أصحاب الجلد والرأس في حرب أبريل لذلك نحن من نستحق أن نكون جزءاً من الحل لا غيرنا فجميعهم يعلمون أن مدنية تدعمها مصر ستكون خطراً كبيراً عليهم.
فكل التصريحات العنترية المتتالية هذه الأيام هي رسائل في بريد القاهرة وليس لها علاقة بالصراع السياسي في السودان
ويعلمون أنهم لن يستطيعوا الخوض في بركة العداء بعمق لمواجهة مصر، فهي التي (كتفت) نظام المخلوع بحبال ذنوبه ثلاثين عاماً وسلبت من (حباب عيونه) حلايب وشلاتين وكلما حاول أن يرفع سبابة الرفض حدثته عن أن كيف كانت محاولة اغتيال مبارك موجعة، وبذات الحبل قيدت المجلس العسكري بعد الثورة ومعلوم أن مصر كلما سحبت منك القوة منحتك الدعم حتى يكون عمر حكمك أطول، فالإنقاذ اشترت سنين عمرها بالسكوت عن ما سلبته مصر من تراب الوطن الغالي، ولنظام البرهان أكبر من جريمة محاولة اغتيال مبارك وأكثر من جريمة في السودان، ومعلوم أن البرهان ما طغى وتجبر واستمر إنقلابه إلا بدعم مصر فالأدراج في مصر فيها مايخص البرهان أكثر مما يخص الإخوان.
لهذا فإن التحول السياسي الملفت لمصر تجاه السودان سيكون أول مسمار في نعش حكم البرهان وفلوله، ستدقه مصر ولسانها يقول له بعد (إذن حضرتك) فهي تجيد عملية إفلات اليد مثلما تجيد المصافحة الأولى بحرارة فالفراق عندها أسهل من (شربة ميه).
فأول إشارات الوداع قد تعبر عنها بتسريب (أدي كده) حتى يظن الناس أن مخابراتها أكبر من المعلومات الصغيرة في التسجيل، لكنها تكشف القليل لتقول إن بيدها الكثير.
وتقدم مصر الدعوة لحمدوك من جديد بالرغم من أن الرجل غادرها قبل أسبوع وتدعو البرهان ولأول مره بعنوان بحث سبل وقف الحرب.
وتعترف (أم الدنيا) كلها أنها وبعد زيارة حمدوك كانت مخطئة في قياس وزن المكون المدني السوداني في العملية السياسية هكذا تقول د. أماني الطويل إن بلادها تقديرها كان يشوبه بعض الإلتباس والآن قد صححت مواقفها، ألم نقل منذ البداية أن (مصر الجديدة) ستتخلى عن الجنرال وستدعم خيار التغيير برغبة منها أو بدونها، والآن ستواصل خطواتها حتى تقوم بدورها على أكمل وجه تدفعها لذلك إلتزاماتها الدولية.
لذلك من الواجب علينا أن نتقدم بالتعزية للفلول لفقدانها أهم محور وحليف كانت تسند عليه ظهرها بقوة هذا (الفقد العظيم) جعل القيادات الاسلامية والعسكرية الآن، لا تزعجها الدول الداعمة للحرب، ولكن يهددها شبح الرعب والخوف من الدول الداعمه للسلام، ما يعني (رفع الغطاء) الذي يجعل ظهرك مكشوف.
والقاهرة قد تٌحدث إختراقاً واضحاً وفارقاً على طاولة حل الأزمة السودانية لأن البرهان الذي يمكن أن يراوغ على الجميع لا يستطيع أن يمارس هذه الهواية معها، أما حمدوك هو ذاته الرجل الذي رفضته سابقاً لكنها اليوم تحتاجه برغبة أكيدة.
نقلاً عن الجريدة