د. أماني الطويل تكتب.. الزيارة تؤشر لتقارب بين القاهرة وأبو ظبي في الملف السوداني
وسط غبار كثيف من التراشق المعهود والاستقطاب الحاد بين الفرقاء السياسيين السودانيين بشأن زيارة د. عبد الله حمدوك إلى القاهرة، يمكن النظر إلى هذه الخطوة كتطور إيجابي من عدة زوايا، منها أنها تتكامل فيما يبدو لنا مع تحركات إقليمية ودولية قد تكون فرصة أخيرة في سياق محاولات وقف إطلاق النار في السودان.
ومن الزوايا الإيجابية في زيارة حمدوك، ولكن على مستوى ثنائي، هي أن هذه الزيارة تؤشر لتقارب بين القاهرة وأبو ظبي في الملف السوداني، كانت أولى تجلياته في اجتماع المنامة الذي جرى بين الفريق شمس الدين الكباشي وعبد الرحيم دقلو، وكانت العاصمتان حاضرتين في هذه الترتيبات إلى جانب كل من الرياض وواشنطن، كما كانتا مشتركتين في وقت لاحق، وفي مشهد لافت بإمداد جوي لأهالينا في غزة بمساعدات إنسانية.
أما على المستوى الإفريقي، فقد سبقت الزيارة تنسيقاً واجتماعات بين الآلية الأفريقية للاتحاد الأفريقي، وبين وفد الزيارة من تحالف تقدم إلى القاهرة الذي يترأسه حمدوك، بما يعني أن الطرفين هما على صفحة واحدة في النظر لهذا الملف، خصوصاً في ضوء مناهج القاهرة في التعامل معه، والتي برزت في مؤتمر دول جوار السودان الذي لم يستبعد طرفاً إقليمياً عربياً أو إفريقياً طبقاً لمحدد الجوار الجغرافي المباشر، إدراكاً من مصر لطبيعة دور وتأثير كل طرف في المعادلات السودانية وتأثره بها.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء السوداني السابق لم يحظ بمقابلة الرئيس السيسي كما قالت مصادر سودانية في وقت سابق على الزيارة، في محاولة لتضخيم أثرها السياسي، فإن رئيس الوزراء السوداني السابق، اجتمع بالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط وهو مؤشر على تفاهمات وترتيبات عربية عابرة لعدد من عواصم العرب فيما يتعلق بمسألة وقف الحرب في السودان.
أما المكسب الرئيسي من زيارة حمدوك ووفده فهو تحقيق تقارب بين الإدارة المصرية ممثلة في الوزير عباس كامل، مع أطروحات المكون المدني السوداني الممثل جزئياً في تحالف تقدم فيما يتعلق بالمعادلات السياسية السودانية الداخلية، وهو التقارب الذي قد يكون أنهى مراحل من الالتباس الطويل في هذه العلاقة، وبدأ خطوة من خطوات بناء الثقة بين الطرفين، حيث كان من اللافت حديث حمدوك اللاحق لزيارته بشأن طلب تقدم للقاهرة بأن تقوم بدور في عقد لقاء بين قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان، وبين محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، وهو طلب مؤسس على إدراكات جديدة لدى تحالف تقدم بشأن أنه لا حل في السودان بدون القاهرة التي أثبتت تفاعلات ما بعد الحرب محورية دورها في المعادلات السودانية، وذلك في ضوء فشل محاولات عزل مصر عن المجريات السودانية، والتي قامت بها عواصم عالمية وإقليمية عجزت عن تغيير هذه الحقيقة.
وفي المقابل قد يكون نجاح مصر في بلورة دور لها في وقف الحرب والتفاعل الإيجابي مع المعادلة الداخلية، يتطلب منها بلورة منظور يأخذ بعين الاعتبار الدور والوزن المحوري للمدنيين السودانيين في مرحلة ما بعد الحرب، وأعني بذلك القوى والتيارات السياسية كافة، وهو الدور الذي تدعمه عواصم عالمية مؤثرة ولا سبيل لتجاهله لإزالة العقبات والتحديات أمام الفاعلية المصرية في حل هذا الملف.
في هذا السياق علينا أن نلحظ حجم الانتصارات التي حققها الجيش السوداني خلال ذات أسبوع الزيارة، خصوصاً في أمدرمان ذات الوزن المعنوي في الوجدان السوداني، وكذلك مناطق من الجزيرة، وهو أمر يعني عودة الموازين العسكرية نسبياً لصالح الجيش، ويعني أيضاً وزناً عسكرياً إضافياً للجيش في أي جولة تفاوض محتملة، مضافة إلى وزنه المعنوي باعتباره الجيش القومي رغم كل المآخذ عليه بسبب تحالفاته السياسية.
أما على الصعيد الدولي، فهناك تطوران مهمان أرى أنهما غير بعيدين عن توقيت زيارة حمدوك للقاهرة، أولهما المشروع البريطاني الذي تم إقراره ومر في مجلس الأمن الدولي بأغلبية ١٤ صوتاً وامتناع روسيا عن التصويت، الداعي لضرورة وقف إطلاق النار في رمضان.
أما على المستوى الأميركي، هناك زيارة بدأت لمبعوث واشنطن للسودان توم بيرييلو، تمتد لحوالي عشرة أيام، حيث سيحاول عبر زيارته لعواصم إفريقية وعربية استكشاف ربما معادلة جديدة للتدخل الدولي والإقليمي المشترك لإنهاء الصراع السوداني.
إجمالاً، قد يكون هناك حالياً ترتيبات إقليمية وعالمية بهدف بلورة آلية إجرائية لوقف إطلاق النار، ومحاولة بلورة مصفوفة سياسية فيها فاعلان محددان على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تلعب القاهرة في هذه المعادلة دوراً كبيراً بشأن إنهاء الحرب في السودان.
وتقديري أن على القاهرة أن تبذل مجهودات مضاعفة لبلورة صيغة للتقارب بين طرفي الصراع السوداني، وهي عملية لا تتطلب فقط عقد اللقاء الذي طلبه حمدوك بين البرهان وحميدتي، ولكنه يتطلب هندسة بيئة سياسية صديقة لوقف الحرب، وهو الأمر الذي مارست فيه القاهرة عدة أنشطة، منها مؤتمراً للغوث الإنساني للسودان في نوفمبر ٢٠٢٣، وكذلك المؤتمر الأول للإدارة الأهلية والقبائل في مارس الحالي، والذي حضره ممثلون عن الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي، وهو المؤتمر الذي شدد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ككيان.
وفي تقديرنا، فإن القاهرة تحتاج إلى آليات جديدة لتدشين آليات تفاعل مع الجمهور السياسي السوداني الواسع الموجود في القاهرة، خصوصاً الشبابي منه، وذلك عبر أجسام مدنية مصرية، بهدف تخفيف حالة الاحتقان والاستقطاب المشهود على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك دعم قدرات الشباب فيما يتعلق بالإدراكات المعرفية المطلوبة في مسائل إنهاء الصراعات ومهارات التفاوض، ومتطلبات بناء الدول بعد فترات السيولة السياسية والأمنية وغير ذلك من عمليات بناء السلم وتدشين ثقافات التعايش والسلام.
د.أماني الطويل
نقلاً عن https://twitter.com/AltaweelAmani