بشرى أحمد علي يكتب..تحرير الإذاعة وقصة الشيخ علي عبيد منقاش
لا أحد ينافس وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف في الدعاية الحربية، كان الصحاف يعقد المؤتمرات الصحفية وهو يكذب التقارير الإعلامية والتي تتناول تقدم الجيش الأمريكي نحو بغداد، ثم يؤكد للجمهور العربي أن تلك الحية – وهو يقصد الجيش الأمريكي – إنها تسير بسرعة حتى تصل بغداد ليتم تقطيعها وتخليص العالم العربي من شرها …
حتى الإعلام العربي شارك في ذلك الخداع، كان الفريق الجمسي، وهو مقاتل مخضرم شارك في حرب اكتوبر ضد إسرائيل، يقول إن الجيش الأمريكي سوف يخوض حرب شوارع تكلفه الكثير لو وصل إلى بغداد أما الفريق سعد الدين الشاذلي، وهو أيضاً أحد ضباط حرب اكتوبر 1973، كان يقول على قناة الجزيرة إن الجيش الأمريكي سوف يتعرض لهزيمة كبيرة تساوي أضعاف ما حدث له في فيتنام …
لذلك كنت أقول أن التاريخ لا يُكتب بحبر العواطف أو التمنيات بل يُكتب بحبر الحقائق المجردة …
التاريخ تناول غزوات مثل أحد وحنين والخندق، ولم تكن العواطف في محل ترحيب، وعاتب الله المسلمون في غزوة حنين لانه غرتهم الكثرة والتي لم تغني من الله شيئاً.
وفي كل معركة هناك إرتباك حتى بالنسبة لجيوش الدول الكبيرة، في عام 2003 تعرضت مروحية أمريكية من طراز أباتشي لعطل فني وسقطت في حقل يملكه المزارع عراقي إسمه علي عبيد منقاش …
تفاجأ هذا المزارع البسيط بسقوط الطائرة في حقله فقام بإبلاغ سلطات الحزب في مدينة الناصرية بجنوب العراق ذلك وسُرعان ما تحول هذا الحادث لملحمة وطنية كبيرة بعد أن أخرجها الوزير الصحاف بشكل يداعب أحلام المتابع العربي للحرب …
تحدث الصحاف عن مزارع بسيط يتمكن في أثناء عمله بالحقل من إسقاط أباتشي عن طريق بندقية “برنو” وهي بندقية قديمة تعود للحرب العالمية الثانية ولكنها تتميز بمدى طويل، وفي السودان نطلق عليها “أبو خمسة ” رقص الجميع بما فيهم الحاج منقاش وقبل الجمهور العربي رواية الوزير محمد سعيد الصحاف وتبارى الخبراء والمحللون وهم يتناولون هذا الحدث على أساس أنه تحول نوعي في العمليات العسكرية و بأن أمريكا غرزت عجلاتها في الرمال العراقية …
بعد سقوط نظام صدام حسين حكى الحاج عبيد منقاش القصة الحقيقية وشرح للناس كيف أن النظام العراقي أجبره على تمثيل هذا الدور…
نعود لمعركة الإذاعة والحديث عن الإفراط في الإحتفال، أيضاً هناك من يتحدث عن نهاية المعارك الكبرى في السودان حتى علي كرتي خرج عن مخبئه وتحدث أنه لا نهاية للحرب ولا سلام مرتقب في السودان، فعلي كرتي قرأ معركة الإذاعة مثل الذي يقرأ كتب هاري بوتر ومغامرات الساحرة ماري ستيوارت وهي تطير بمكنستها بين الأبراج لتنتقم من خصومها …
معركة الإذاعة – إذا صحت هذه التسمية – ليست هي المعركة التي سوف تعيد تاريخ السودان نحو الوراء ..
صحيح هناك إسراف في المظاهر الإحتفالية لأن الجيش الذي عاش لشهور في صحراء الهزيمة ربما تكون قد لاحت له واحة النصر أو سرآب بقيعة ظنه بماء وليس هو بماء وهو يكرر أسماء المناطق المحررة من بنك فيصل ومروراً بمطعم عوضية سمك ونهايةً بالإذاعة لكن لو نظرنا على المدى البعيد فإن الحال لم يتغير كثيراً، والحال كما قال أحد البخلاء:
أكلت قليل أرز فأكثرت منه …
وأنا أقول، قبل التسرع في الإحتفال وقراءة الخطب فللنتظر ما سيحدث في الأيام القادمة …
فهل سوف تتحقق النبوءة التي يؤمن بها الفلول بأن السيطرة على الإذاعة سوف تنهي أسطورة الدعم السريع؟؟…
أم أن هناك حلقة مفقودة في الحبكة لم يضعوا لها حساب؟؟…