سلام يا صاحبي.. إلى عرمان هل كتب هؤلاء الإطار الدستوري؟
أبوعبيدة برغوث يكتب.. سلام يا صاحبي.. إلى عرمان هل كتب هؤلاء الإطار الدستوري؟
عندما ذهبت الحركة الشعبية إلى نيفاشا لم يرافقها التجمع الوطني الذي كان يترأسه الميرغني، وعندما وقعت اتفاقية السلام الشامل لم تحتفظ له بحصة في تقاسم السلطة والثروة ولا في تأسيس الجيش الوطني والذي كان وفقاً للاتفاقية أن يتم تكوينه من الجيش السوداني والجيش الشعبي، وتم إنشاء القوة المشتركة من الجيشين وقام الجيش السوداني بتسريح 35 ألف جندي آنذاك وإن كان أغلبهم من الهامش واحتفظ بما يريد.
السيد عرمان إن هذه المعركة التي تخوضها قوات الدعم السريع هي معركة السودانيين الذين يتطلعون من خلالها إلى بناء وطن يسع الجميع تكون فيه الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، لذا لم يقاتل جنود الدعم السريع من أجل إعادة أي من المجموعات السياسية للسلطة أو تقاسمها مجدداً.
أنت لك تاريخك الطويل مع الحركة الشعبية وتحالفاتها المختلفة منذ التجمع الديمقراطي وانتهاء بالجبهة الثورية وهي تجارب قد أدركت من خلالها أن قضايا إعادة بناء الدولة تختلف عن قضايا الانتماء إلى الجغرافيا، وأن قضايا التأسيس يجب أن تستوعب كل أخطاء الماضي، وأن العمل الثوري يتطلب منا التجرد من الانتماءات الضيقة ومن احتكار السلطة وقتها يمكن أن نعمل معاً من أجل إرساء قواعد متينة تؤسس لوطن العدالة والمساواة تنتهي عندها عهود الظلام والإستهبال السياسي.
هؤلاء المقاتلين الأشداء مدركين تماماً للقضية التي يحاربون من أجلها وهم أيضا يمثلون الجناح السياسي والعسكرى معاً، والمنفستو الذي كتبه هؤلاء بدمائهم هو الذي يضع الإطار الدستوري للدولة السودانية الجديدة، وسيظلون يستدعون ذاكرة الحرب الطويلة في جنوب السودان وجون قرنق دي مبيور حاضراً في مناقشاتهم عن أسباب الحرب وتعنت النخب السياسية الحاكمة واحتكار القرارات المصيرية.
رحل دكتور قرنق وترك خارطة الطريق لحل المشكلات المزمنة للوطن المسلوب والمكلوم عندما قال المواطنة والمساواة بين السودانيين هي أساس الحل، وهو طرح يمثل روح مشروع السودان الجديد الذي ترفضه النخب السياسية وجماعة النظام البائد ومن خلفهم أحزاب الامتيازات التاريخية التي بينها وبين مشروع الانقاذ في تقسيم السودانيين على أساس (سيد ومسيود) قواسم مشتركة تدفعهم للاعتقاد بأن المحافظة على الامتيازات يجب أن تتم من خلال تقسيم الناس ويمكن التخلص من مطالب الجنوبين في المساواة بانفصالهم.
كان على عثمان محمد طه وقتها يشغل منصب وزير خارجية السودان قد أبلغ وزيرة خارجية النرويج آنذاك هيلدا جونسون بأن بلاده توافق على منح الجنوب حق تقرير المصير مقابل الشريعة الإسلامية وهي بدورها أبلغت زملاءها في الترويكا بأن الخرطوم توافق وعلى الفور استؤنفت المفاوضات في نيفاشا ووقع الطرفين على اتفاق السلام الشامل وهذه قصة أخرى.
كنت قد التقيت بأحد الإسلاميين الجنوبين وقلت له جماعتكم ديل وافقوا على انفصال الجنوب بمقابل أن يظلوا في الحكم رد لي بعنف قائلاً: مافي انفصال فقط الجنوب خارج الشريعة الإسلامية ضحكت من أعماقي ثم قلت له متسائلاً هي وين الشريعة يا صديقي؟؟؟ هؤلاء مستعدون أن يفصلوا كل أقاليم السودان ليظلوا هم في حكم جزيرة توتى فقط، كنا بحكم عملنا ومتابعتنا للأحداث في سير تنفيذ اتفاقية نيفاشا توصلنا إلى قناعة أن جنوب السودان ذاهب إلى الانفصال ولكن الحرب ستندلع عشية الانفصال مجدداً في جنوب كردفان والنيل الازرق لأن الخرطوم لا تريد أن يحصل سكان تلك الأقاليم على المشورة الشعبية التي تتيح لهم حكم ذاتي، كانت هناك شواهد عديدة تدعم فرضية الانفصال وتجدد المعارك في المنطقتين رغم ترشيح الحركة الشعبية لياسر عرمان لمنصب رئاسة الجمهورية منافسا لابن عمه عمر البشير وأيضاً هذه قصة أخرى.
وأذكر إبان اجتماع المكتب السياسي للحركة الشعبية الخاص بتسمية مرشحيها لرئاسة الجمهورية وولاة الولايات لانتخابات 2010 ذهبت للقائد إدوارد لينو في شقته بشارع بيويوكوان حتى أتمكن من متابعة مناقشات المكتب السياسي المنعقد بجوبا كان أنكول إدوارد سودانياً خالصاً منحازاً للسودانيوية مناضلاً مدركاً لتعقيدات المشكلة السودانية في ظل احتكار النخب للقرار السياسي والاقتصادي والعسكري في الدولة سألت أنكول إدوارد هل هناك جديد ثم لم أدعه يجيب وأردفت أن الرئيس سلفا رفض الترشح ونائبه رياك مشار رفض أيضاً الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية سكت برهه ثم أضاف دينق ألور قام بترشيح ياسر عرمان فهمت عندها أن ترشيح عرمان مؤقت.
سبق انعقاد المكتب السياسي للحركة اجتماع آخر للرئيس سلفا كير مع قادة الجيش الشعبي وهو الاجتماع الذي اتفقوا من خلاله عدم الترشح لرئاسة الجمهورية بمقابل الحصول على انفصال آمن لجنوب السودان، وتواصلت مع بعض جنرالات الجيش الشعبي عقب الاجتماع وأطلعوني على نتائجه، أبلغت وأنا مازلت عند أنكول لينو بأن هناك مؤتمر صحفي للحركة الشعبية بدارها استأذنت أنكول لينو وذهبت، وبالفعل تم إعلان ياسر عرمان مرشح الحركة لمنصب رئاسة الجمهورية وتصدر ذلك عناوين الصحف، إلا صحيفة واحده والتي كنت أعمل لصالحها آنذاك (رأي الشعب) جاء خطها الرئيسي أن الحركة تدعم ترشيح البشير، وقلت لبعض الأصدقاء عليكم الانتظار حتى تسحب الحركة ياسر عرمان من سباق الرئاسة وقتها سيكتشف الناس الحقيقة وهو ما حدث بالفعل.
دشن مرشح الحركة الشعبية حملته الانتخابية لمنصب رئاسة الجمهورية من أمام منزل المناضل علي عبد اللطيف في أم درمان بمشاركة عدد من الرموز الفنية والثقافية وشكل الفنان الراحل محمود عبدالعزيز حضوراً باذخاً يشارك السودانيين تطلعاتهم في بناء سودان جديد يقوم على المساواة بينهم، ولكنني كنت أدرك أن عرمان ومن خلفه قادة الحركة يخدعون الناس، وأن الواقع يشير إلى استمرار نظام البشير في السلطة، وأن الجنوب سيذهب، وكنت أقف بالقرب من الممر الذي جاء منه الحوت،،، مر شريط من الذكريات أمامي وعلى الأفق البعيد تلوح صورة المناضل الكبير على عبد اللطيف وهو يتوسط أعضاء جميعة اللواء الأبيض يحدثهم عن السودانوية سودانوية ليس كالتي تناقش بين عبد الله علي إبراهيم ومحمد جلال هاشم والوليد مادبو كان عبد اللطيف متجرداً من شوائب العنصرية وعقدة التخلي عن الامتيازات التاريخية التي يؤيدها أصحاب الوليد سراً وفي الطرف الآخر يطل عبد الفضيل ألماظ بذات الملامح السودانية الموغلة في حب الأرض والانتماء تحيط به تفاصيل معركة النهر الأولى والثانية قبل أن تقطع اللقاء زغرودة تشق عنان السماء تعلن بها مندي بت السلطان عجبنا التي تتقدم جنودها في ثبات مهيب وهي موقنة أن المعركة العظمى قد بدأت وأن الخليفة عبد الله التعايشى ود تورشين يجلس في السجادة يتدبر آيات الله في حكم الخائنين وأن الغدر ليس من صفات الرجال النبلاء، وقد كان ود تورشين محقاً…
وهنا تكمن القصة؛ قصة اختطاف الدولة والتاريخ والثقافة مع خاطفيها الذين مازالوا يعتقدون أنها ملك لهم وأن أجدادهم هم الوطنين ونسوا أو تناسوا عن عمد أن الوشاية كانت حاضرة في جمعية اللواء الابيض وأيضا قبلها كانت بقرب سجادة الخليفة التعايشي وبعد 200 عام جاء أحفاد التعايشي وعلى عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ ومندي بت عجبنا لإعادة قراءة التاريخ وليجبروا خاطفي الدولة على القراءة مجدداً والتوقيع على دفتر الحقيقة ؛حقيقة أن السودان ملك للجميع وأن المواطنة أساس الحقوق والواجبات.