بلاغ ضد «رسول السلام»
أمل محمد الحسن تكتب.. بلاغ ضد «رسول السلام»
راج في الوسائط الاجتماعية صورة عن مستند بلاغ مقدم أمام نيابة مدينة شندي ضد رئيس الوزراء السابق ورئيس الهيئة القيادية في (تقدم) عبد الله حمدوك.
بالبحث عن طبيعة المواد التي اقترحها محامي الشاكي في مواجهة حمدوك وجدتها موادا خطيرة متعلقة بتحريض القوات العسكرية على التمرد وتقويض النظام الدستوري والحرب ضد الدولة.
وفي رأيي لابد من التعامل مع هذا الأمر بجدية بالغة، ليس خوفا على السيد حمدوك من عقوبة جرائم لم يرتكبها، ولكن لأنه من الواضح أن الدعاية الحربية التي تروج بأن المدنيين هم من أشعلوا الحرب والراغبين في استمرارها ترسخت في مخيلة الناس بصورة جعلتهم يرمون بسهام غضبهم ضد من يبحث عن إيقاف الحرب ويصفقون في المقابل لمن يزيد في نارها واشتعالها.
ولعمري هذه المعايير المقلوبة التي يتعامل بها الناس وتقرأها في تعليقاتهم في الوسائط الاجتماعية والقروبات العائلية وغيرها تجعلك تشعر كأن العام أصبح يسير على يديه وقدميه للأعلى!
من يستحق التقديم للعدالة والمحاسبة هم مشعلو الحرب الذين ينفخون في نارها ليزيدوها اشتعالا رافضين التفاوض والحديث عن السلام بل يجرمون من يقولون لا للحرب.
ولأن من أمن العقوبة أساء الأدب حقا فإن هؤلاء المثيرين لخطابات الكراهية والداعين لقتل المدنيين وتفجير الأعيان المدنية يشعرون بأن وقوفهم إما إلى جانب الجيش أو إلى جانب الدعم السريع هو العمل الصواب الذي يستحقون عليه (التكريم)، فلا يخافون التمادي في تلك الدعوات حد التطرف فيها.
ورأينا عيانا نتائج تلك الدعوات التحريضية من التمثيل بجثة والي غرب دارفور خميس أبكر عليه الرحمة واعتقال شيخ الأمين والتمثيل بالجثث وتفجير كوبري شمبات وغيرها من التفجيرات وعمليات القتل والتخوين واعتقال الصحفيين والمدنيين ولجان المقاومة.
إن هؤلاء المحرضين شركاء في الجرائم بالتخطيط لها وببثها في خطاب إعلامي مكثف ولا تقل جريمتهم عن الذين ينفذونها لذلك القانون يحاكمهم هم أيضا.
الجرائم الإلكترونية المتعلقة ببث خطاب الكراهية والتحريض على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يمكن أن يقدم صاحبها إلى المحاكمة في تلك الدول التي يعيش فيها معظم المحرضين سواء كانوا في أمريكا أو الدول الأوربية أو حتى بعض الدول العربية تحت ما يعرف بمفهوم “العدالة الدولية”.
وعبر هذا المفهوم يسمح القانون الخاص في بعض الدول بتقديم أشخاص ليسوا من مواطني تلك الدولة ولم يقوموا بجرائم التحريض ضد أهل تلك الدولة بالمحاسبة فيها! أليست العدالة في العالم تسير بخطى حثيثة لمحاصرة المجرمين والجناة الذين يظنون بأنهم في مأمن وهم يبثون سمومهم من خارج السودان؟
البلاغ الذي تقدم به ذلك الشاكي ضد حمدوك من الأولى أن تتصدى له التنظيمات المدنية الحقوقية وتفتح في مقابله بلاغات داخل وخارج السودان ضد كل من يحرض ضد السودانيين ويدعو إلى قتلهم أو منع الغذاء عنهم أو غيره مما تحمله سموم (اللايفاتية) من داعمي الطرفين المتصارعين على كرسي السلطة!
ما يقوم به عبد الله حمدوك وما تقوم به الجبهة المدنية وبقية الأحزاب التي لم تنضو تحت مظلة تقدم مثل الشيوعي والبعث ولجان المقاومة الميثاق الثوري، يقع ضمن الحراك المدني لوقف الحرب وإدانة فظائعها ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من دمار للوطن وتشريد لأهله في حرب اقتربت من إكمال عامها الأول ونصف الشعب يعاني من المجاعة!
ليس هؤلاء من يستحقون التقديم للعدالة، بل يستحقها من قاما بالشراكة في الانقلاب العسكري وتقويض النظام الدستوري في 25 أكتوبر 2021 ثم أشعلا حربا ضد السودانيين. ومن خلفهم فلول النظام البائد وغرفهم الإعلامية التي تنشر الأكاذيب وتبث خطابات الكراهية والعنصرية رغبة في تقسيم البلاد فقط من أجل العودة للسلطة!
لابد من أن تكون هناك جبهة مدنية لمحاصرة تلك الغرف الإعلامية، ومحاصرة من يطالبون بقتل المدنيين أو الدعوة لأي جريمة حرب وتقديمهم للعدالة في الدول التي يقيمون فيها حتى تقف العدالة على أقدامها في السودان.
الإفلات من العقاب طوال أكثر من عقدين من الزمان هو ما أغرى المزيد من المجرمين بالدخول إلى عوالم الجريمة بقلب “قوي” لأنهم ينظرون للبشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون وهم يتجولون ويتبخترون وهم مطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية منذ سنوات طويلة، لا تمت محاكمتهم فيها لا هم حوكموا داخل السودان!
وفي رأيي أن العدالة هي الأجدى بأن يطالها الإصلاح وأن توضع في أعلى قائمة الاولويات قور انتهاء الحرب اللعينة؛ لأن انعدام العدالة هو ما وضعنا في هذه الدائرة الخبيثة من مواصلة الجرائم وتناسل المجرمين!
لابد أن يرى كل ضحية وناجي من جرائم الإنقاذ والدعم السريع والفلول أن العدالة الناجزة أخذت بحقه من أعينهم، ترى من يستحق السجن خلف القضبان ومن يستحق الموت معلقا على المشانق منذ جرائم دارفور مرورا بمجزرة القيادة وكل جرائم الحرب الحالية!
عدم تقديم الجناة للعدالة في جرائم الاغتصابات التي حدثت في دارفور وضعت أجساد نساء أخريات في ساحة الحرب الحالية بل وطورت جرائم العنف الجنسي من الاغتصاب إلى الاسترقاق الجنسي وحتى أسواق النخاسة!
ليس عبد الله حمدوك هو الجاني، ولن يكون أي فرد من المجتمع المدني الذي يبحث عن الحقوق سلميا هو الجاني، المجرمون معروفون والجرائم معروفة وتتحدث عن نفسها في حالة السودان الذي قتلت فيه الحرب 13 الف مواطن وشردت قرابة 10 ملايين ودمرت البنية التحتية وجعلت الجوع يحاصر الناس في بلاد كانوا يخبروننا أنها تعرف باسم “سلة غذاء العالم”!
نقلاً عن التغيير