ماذا وراء العرض الإيراني للسودان بإنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر؟
حذر خبراء سودانيون من تنامي النفوذ الإيراني في البلاد نتيجة التقارب بين السلطة الحاكمة الموالية للجيش السوداني ودولة إيران، مشيرين إلى أن تمكين طهران من السيطرة على البحر الأحمر قد يشعل “صراع الكبار” في المنطقة الملتهبة.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلت الأحد، عن مسؤول استخباراتي سوداني قوله إن “الجيش رفض عرضًا من إيران لتزويده بمسيرات مقابل منح طهران إذنا بإنشاء قاعدة بحرية دائمة على البحر الأحمر”، موضحًا أن إيران عرضت إمداد الجيش بسفينة حربية قادرة على حمل مروحيات ومسيرات إذا وافق على إنشاء القاعدة العسكرية على البحر الأحمر.
وقالت الصحيفة الأمريكية حسب “إرم نيوز” إن إيران تهدف إلى مراقبة حركة المرور البحرية من وإلى قناة السويس وإسرائيل، حال تمكنها من إنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر.
نفوذ يتمدد
وأكد المحلل السياسي والكاتب الصحفي قاسم فرحنا، أن كل المؤشرات تدل على توسع النفوذ الإيراني في السودان، مشيرًا إلى أن الدعم العسكري الذي سلمته طهران للجيش السوداني متمثلًا في الطائرات المسيرة المعروفة بـ”مهاجر6″ حقيقة لم ينفها الجيش السوداني، وهو دعم لا بد أن تحصل طهران على مقابله، حسب قوله.
واستبعد فرحنا في تصريح لـ”إرم نيوز”، أن يكون الجيش السوداني قد رفض طلبًا لطهران بإقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر على نحو ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، مشيرًا إلى أن التقارير تتحدث عن وجود خبراء إيرانيين في قاعدة “وادي سيدنا” العسكرية التابعة للجيش السوداني في شمال أمدرمان، يقومون بتدريب أفراد الجيش على استخدام طائرات مهاجر6 ما يؤكد عمق العلاقة المشتركة بينهما.
وبعد ساعات من نشر الصحيفة الأمريكية، خبر رفض الجيش السوداني الطلب الإيراني بإنشاء قاعدة عسكرية بالبحر الأحمر، نقلت وسائل إعلام سودانية عن مصادر عسكرية قولها إن مصدر المعلومة في التقرير الأمريكي شخص منتحل صفة مستشار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ولا وجود له على الواقع.
وذكرت صحيفة “السوداني” أن الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش تبحث عن هوية الشخص الذي انتحل صفة مستشار القائد العام الجيش، الذي يسمي نفسه “أحمد حسن محمد” حسب ما ورد في الصحيفة الأمريكية، والجهة التي تقف خلفه.
وقالت الصحيفة إن “أحمد حسن محمد”، قدمته شركة علاقات عامة عالمية لوكالات الأنباء والفضائيات الدولية، بمسمى “مستشار الاستخبارات العسكرية لقائد الجيش السوداني، والخبير الاستراتيجي بشؤون الشرق الأوسط”، وأضافت أنه “لا يوجد مستشارٌ للاستخبارات العسكرية أو لقائد الجيش باسم أحمد حسن محمد، وهذا ينسف الخبر ومصداقيته من الأساس”.
ويفسر قاسم فرحنا التعليق السوداني على التقرير الأمريكي بأنه لا يخرج من إطار احتمالين: “إما أن الجيش لم يرفض الطلب الإيراني بإنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، أو أن هنالك صراعا داخل الجيش بين التيار الإسلامي الذي يسعى للتحالف مع إيران، وتيار آخر يرفض ذلك”.
وكان موقع “بلومبيرغ” الأمريكي كشف خلال يناير الماضي، عن دور إيراني مباشر في الصراع العسكري الذي يشهده السودان، وأكد أنه يغذي النزاع في البلاد، ويهدد الاستقرار في المنطقة.
وقال تقرير، نشره الموقع، إن إيران تدخلت بشكل مباشر في الصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بطريقة تحيزت فيها للجيش السوداني، بتزويده بالطائرات دون طيار.
منطقة صراع
من جهته يقول المحلل السياسي علاء الدين بابكر، إن إيران تريد أن تسيطر على منطقة البحر الأحمر حتى تتمكن من التحكم في حركة الملاحة بالمنطقة.
وأضاف بابكر أنه “وارد أن تتمكن إيران من السيطرة على البحر الأحمر؛ لأن الإسلاميين الذين يقودون الحرب حاليًا ويسيطرون على حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، هم حلفاء للدولة الإيرانية كما يجمعهم معها ذات الفكر الإسلامي الإرهابي المتطرف”، حسب قوله.
وذكر أن “منطقة البحر الأحمر هي منطقة صراع بين الكبار، هنالك روسيا والسعودية والإمارات، مؤكدا أن هذه الدول لن تسمح بذلك، لكن مع ذلك تظل حظوظ إيران أكبر نظرًا لعلاقتها بالنظام الحاكم في بورتسودان”.
وأشار بابكر إلى أن الفكر الشيعي المدسوس وسط المجتمع السوداني، هو واحد من أدوات السيطرة الإيرانية على البلدان الأخرى، وأضاف أن “وجود إيران في البحر الأحمر يهدد المنطقة بأكملها؛ لأنه سيؤثر على حركة الملاحة الخارجية ويهدد أمن المنطقة”.
والأسبوع الماضي قالت اعتزاز يوسف، المدير القطري للجنة الإنقاذ الدولية في السودان، إن الهجمات التي تشنها ميليشيا الحوثي على السفن في البحر الأحمر، أدت إلى إعاقة شحنات المساعدات الحيوية للسودان وزيادة تكاليف الوكالات الإنسانية؛ ما يعرض الملايين لخطر المجاعة.
وأجبرت الهجمات الحوثية على السفن التي تحمل المساعدات من آسيا إلى بورتسودان، على الإبحار حول أفريقيا واجتياز البحر الأبيض المتوسط، قبل أن تدخل البحر الأحمر عبر قناة السويس من الشمال؛ ما يؤدي إلى تأخيرات كبيرة وزيادة في التكاليف، وفقًا لاعتزاز يوسف.
وكانت وزارتا الخارجية السودانية والإيرانية، أعلنتا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في بيان مشترك، أنهما ستستأنفان علاقاتهما السياسية والدبلوماسية بما يخدم مصالح البلدين، وذلك عقب الاتصالات التي جرت بين كبار المسؤولين في الجانبين خلال الأشهر الأخيرة.
وبعد أن أثار التقارب السوداني الإيراني مخاوف عدد من الدول الغربية، اجتمع وزير الخارجية السوداني، علي الصادق، خلال الأيام الماضية مع السفراء المعتمدين والمقيمين في البلاد.
ونقل لهم الوزير خلال الاجتماع أن “إعادة العلاقات بين السودان وإيران، أمر طبيعي ولا يثير علامات استفهام، حيث إن العلاقات كانت مقطوعة وتمت إعادتها، وهذا أمر طبيعي بين الدول في العلاقات الدبلوماسية، وفق ما نشرت وكالة السودان للأنباء.