السودان في المخيلة المصرية.. استغلال تأريخي وغطرسة زائفة
نجم الدين دريسة يكتب.. السودان في المخيلة المصرية.. استغلال تأريخي وغطرسة زائفة
الهزائم المتلاحقة التي مني بها الجيش المختطف من قبل بعض المنتسبين لتنظيم جماعة الاخوان بعد الحرب التي أشعلوها لأجل العودة إلى السلطة … والتي كانوا يتحكمون فيها ثلاثة عقود من الزمان قسموا خلالها السودان.. اجتماعياً وسياسياً وجغرافياً ومناطقياً واثنياً وفرضوا عليه العزلة والحصار الدوليين بسبب الفظائع وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية علاوة على جرائم الإرهاب والإرعاب … حتى تمكنت جارة السوء من الإيقاع بهم في ابتلاع طعم محاولة اغتيال حسني مبارك.. لتغتصب حلايب وشلاتين وأبورماد.. وتمضي نحو تقسيم الحركة الإسلاموية في صراع تمظهراته سياسية ولكنه صراع سلطوي وذو أبعاد اجتماعية متعلقة بطبيعية الأزمة التاريخية التي ورثتها الدولة الاستعمارية لتستفرد مصر بما عرف بالمؤتمر الوطني وهو تحالف سياسي مرتبط أصلا بالمكونات الاجتماعية للدولة الموروثة من المستعمر علاوة على العلاقة الأزلية للمخابرات المصرية بقوات دفاع السودان والتي أصبحت تسمى لاحقاً القوات المسلحة المرتهنة أصلاً بشكل كامل لمصر حتى قبل ما يعرف باستقلال السودان… وهي سيطرة مرتبطة تماماً بمصالح جارة السوء وبالطبع هو تاريخ طويل يحدثنا عن مساوئ وانتهاكات هذه الدولة وأياديها الآثمة في العبث بموارد ومقدرات البلاد ولا سيما التحكم في مياه النيل لتمارس أسوأ أنواع الظلم والاستغلال على حساب صناعة الحروب وخلق الأزمات والوقوف المستمر ضد الثورات والهبات الشعبية وأي محاولات للشعوب السودانية من شأنها أن تؤدي تقرير مصيرها في إدارة شأنها عن طريق الحكم المدني .
مصر هي الدولة الوحيدة التي ظلت تشكل عقبة كأداء أمام خياراتنا كشعوب سودانية في الحكم عبر عملاءها.. فمنذ اندلاع ثورة ديسمبر ظل البرهان يقوم بهذا الدور فالرجل ما أن يزور القاهرة وإلا ويأتي بفعل شنيع ضد إرادة الشعب السوداني فمنذ فض الاعتصام والذي كان محاولة انقلابية تمت بعد زيارته للقاهرة حيث تلقى تعليماته بفض الاعتصام على غرار ما جرى في رابعة العدوية وقد كان فض اعتصام القيادة العامة ويعد من الجرائم البشعة التي ارتكبت في حق ثورة ظل كل العالم يشيد بشعاراتها السلمية.. ثم ما لبث عبد الفتاح البرهان أن غادر القاهرة وعاد بانقلابه المشؤوم في 25 اكتوبر 2021 … ثم حرب 15أبريل.. موقف مصر من الصراع السوداني مرتبط دوماً بالمحافظة على ما ظلت تستحوذ عليه وهو الجيش والذي وقفت معه ودعمته ضد حربه مع قوات الدعم السريع وكانت تصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي قبل الحرب ظلت توصم قوات الدعم السريع على أنها قوات عشائرية وقبلية ولن نسمح بوجودها وكلام من هذا القبيل خاصة بعد موقف قوات الدعم السريع من مسألة التحول الديمقراطي وبناء المشروع المدني… وهذه حقائق معلومة لكل من القى السمع وهو شهيد حيث قدمت دعم عسكري عبر سلاح الطيران الحربي للجيش السوداني واستضافت صلاح قوش رئيس جهاز المخابرات السوداني ورئيس وزراء حكومة النظام البائد إيلا وعدد من العناصر الاسلامية المعروفة مما يؤكد أن مصر لديها صلات بتنظيم المؤتمر الوطني ولا زالت القاهرة تحتضن كل الغرف الاعلامية للفلول .. مصر تقف ضد القوى المدنية والديمقراطية في السودان.. وترى أن مصالحها مرتبطة تماماً بقوى الردة التي حكمت مثلث حمدي وهي ذات القوي التي ظلت تستجدي الانضمام إلى مصر.. وهي ذات القوى العنصرية التي تبنت خطاب دولة البحر والنهر.. رغم أن قضايا البحر والنهر بينهما برزخ من التهميش والظلم لا يلتقيان… مصر لازالت تتعاطى مع الشأن السوداني بذهنية أربعينيات القرن المنصرم رغم اختلاف والمعطيات والظروف وتضاؤل وانحسار ادوار عملائها… فهل ستعيد مصر طرائق التفكير أم ستظل تمارس أسلوبها القديم.